- المؤلف:
وليد مولاهم : متخصص في الموارد المائية ومهندس هيدروليكي يعمل على تطبيق الاستشعار عن بعد لرصد مخاطر الموارد المائية في البلدان النامية. يشارك في قطاع المياه الجزائري من خلال بناء القدرات ونقل التكنولوجيا وتقديم الدورات التدريبية للمؤسسات الحكومية والخاصة.
- المراجع:
د. عبد المالك برمد ، عميد قسم الهندسة المائية والهيدروليكية في المعهد الوطني للفنون التطبيقية في الجزائر.
المُقدمة
قد دفعت أزمة الطاقة العالمية، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الأوكرانية وتداعياتها المحتملة على إمدادات الطاقة إلى أوروبا، الاتحاد الأوروبي إلى الحاجة الماسة لتنويع إمدادات الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، بعيداً عن روسيا. وفي ظل بحثها عن موردي الطاقة غير روسيا، فقد وجهت المفوضية الأوروبية أنظارها نحو العديد من البلدان، بما في ذلك الجزائر، كمورد خارجي مهم للغاز الطبيعي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا (الخريطة 1) [1]. وقد أدرج هذا النقاش المتعلق بآفاق تطوير موارد الطاقة غير التقليدية الجزائرية، على المدى المتوسط والبعيد، على جدول الأعمال الجزائري.
إن الجزائر تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط والغاز لتمويل إيرادات الدولة وتوليد العملات الأجنبية، حيث أن ما نسبته 97% من العائدات المباشرة لصادراتها هي من النفط والغاز. ومع ذلك، يضع ركود إنتاج الغاز منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى جانب الاستهلاك المحلي المتزايد، الجزائر تحت ضغط لتشغيل حقول جديدة لتلبية الطلب المحلي والالتزامات التعاقدية الخارجية للبلاد. وقد عززت الحاجة لتوسيع الإنتاج الاهتمام المحلي لاستغلال موارد الغاز غير التقليدية، ذلك أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الموارد القابلة للاستخراج من الغاز الصخري، وفقاً لدراسة أجرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ومنذ عام 2014، وفي أعقاب طفرة الغاز الصخري في أمريكا الشمالية، فإنه يُنظر إلى تطوير احتياطيات الغاز الصخري بكونها خطوة ضرورية لضمان أمن الطاقة في الجزائر ضمن استراتيجية الطاقة الشاملة، حيث يأتي هذا على الرغم من المعلومات المحدودة حول ما إذا كان يمكن استنساخ نموذج الولايات المتحدة بنجاح [2].
وفي الوقت نفسه، فإن الخصائص الجيولوجية المواتية وصناعة الغاز الواسعة القائمة حالياً تمنح الجزائر إمكاناتٍ هائلة لتطوير الغاز الصخري. فمن الناحية التقنية، تعدّ احتياطيات الغاز الصخري القابلة للاسترداد ضخمة، إذ يمكن أن توفر كمية تقريبية تصل إلى 20,000 مليار متر مكعب من احتياجات الطاقة في البلاد لسنواتٍ قادمة. وعلى الرغم من هذه الموارد الهائلة، إلا أن هناك العديد من التحديات الرئيسية، فعلى سبيل المثال، لن يتطلب تطبيق تقنية التصديع المائي (أو التكسير الهيدروليكي) الجديدة لاستخراج الغاز الصخري موارد مالية هائلة فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى إلحاق ضرر بيئي كبير بموارد المياه (الجوفية). وقد حرّك هذا الاحتمال أعداداً غير مسبوقة من المواطنين الرافضين للانتقال إلى إنتاج الغاز الصخري [3].
المياه الجوفية والغاز الصخري والتصديع المائي
وفقاً لأطلس مخاطر قنوات المياه التابع لمعهد الموارد العالمية، فإن مستوى الإجهاد المائي الأساسي في الجزائر مرتفع للغاية، حيث تقدر المياه العذبة الداخلية المتجددة بحوالي 19 مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل 295 متراً مكعباً للفرد. ويضع هذا النقص في توافر المياه الجزائر في قائمة أكثر البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم [4].
تقع الجزائر فوق نظام طبقات المياه الجوفية في الصحراء الشمالية الغربية (NWSAS)، وهو احتياطي ضخم من المياه الجوفية الأحفورية العابرة للحدود مع قابلية تجديد منخفضة للغاية. إن الموارد المائية في هذا النظام محصورة ضمن خزانين متداخلين رئيسيين، وهما حوض المتداخل القاري وحوض المركب النهائي، وكلاهما يحتوي على حوالي 60,000 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، حيث تستهلك الجزائر 70% منها. وتغطي هذه المياه الجوفية 96% من الطلب على المياه في جنوب البلاد وتوفر المياه لري المزارع وبساتين النخيل والتي تمثل مصدر الدخل الأساسي لمعظم السكان في المنطقة. تتمتع طبقات المياه الجوفية هذه أيضاً بأهمية متوارثة بالنسبة للمجتمعات المحلية، وبشكل أساسي من خلال نظام قنوات الري المعروفة باسم الفقارة (الصورة 2)، والتي أضيفت في عام 2018 إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل [5]. وعليه، فيعتبر تلوث هذا المورد عاملاً من عوامل الخطر الجسيمة، وسيكون تأثيره كارثياً على المجتمعات المحلية.
إن أكثر من 95% من الغاز الصخري في الجزائر يقع فوق أكبر احتياطي للمياه الأحفورية في البلاد (الخريطة 2). وقد أثار الخبراء مخاوف بشأن انخفاض كمية وجودة المياه في طبقة المياه الجوفية كنتيجةٍ مباشرة لاستخدام التصديع المائي [7]. وتتضمن هذه التقنية حقن كمياتٍ كبيرة من السائل المضغوط لإحداث شقوق وتصدعات في التشكيلات الصخرية واستخراج الغاز الحبيس بداخلها، إذ تتراوح كمية المياه المستخدمة من 10 إلى 20 مليون لتر من المياه لكل بئر استكشاف [8]. وعلى نطاق آلاف الآبار، فسيؤدي ذلك إلى استهلاك كبير للمياه العذبة، مما سيساهم بشكل أكبر في انخفاض مخزون المياه الجوفية [8]، في حين أن استخدام مصادر المياه البديلة مثل المياه الجوفية قليلة الملوحة أو إعادة استخدام المياه من شأنه أن يقلل من كميات المياه العذبة المستخرجة من طبقات المياه الجوفية غير المتجددة.
بل إن خطر التلوث المرتبط بالتصديع المائي سيفاقم الوضع سوءاً، فإلى جانب استخدام كميات كبيرة من المياه، فإن هذه التقنية تنتج كميات كبيرة من مياه الصرف المحتوية على ملوثات تتطلب المعالجة قبل التخلص منها أو إعادة استخدامها [9]. وفي حال سوء إدارة هذه المياه، فقد يتم انتشار السائل المستخدم في التصديع عن طريق طرحه أو تسرّبه أو غيرها من السُبل وتلويث المناطق المحيطة، بما في ذلك مصادر مياه الشرب [8] [9]. وهنا تبرز الحاجة إلى الاستثمار الرأسمالي الضخم لإنشاء مرافق معالجة مياه عالية الجودة ومعقدة وتقليل مخاطر تلوث المياه الجوفية.
كما سيكون تنفيذ أفضل الممارسات أمراً بالغ الأهمية للتخفيف من مخاطر المياه المرتبطة باستغلال الغاز الصخري ولكي يكون التصديع المائي أكثر جدوى من الناحية الاجتماعية والبيئية في الجزائر.
الاضطرابات الشعبية
قد تمت الموافقة على استغلال الغاز الصخري بموجب قانون أقره البرلمان الجزائري في عام 2013. وقد حظيت أولى آبار التنقيب عن الغاز الصخري باهتمامٍ إعلامي كبير، ليس لنتائجها الواعدة، بل بسبب الاحتجاجات المحلية التي أثارتها [11].
فقد تشكلت حركة احتجاجية، واكتسبت زخماً، في عين صالح، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 50 آلاف نسمة وتقع على بعد 1,200 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر، حيث ظهرت مجموعة مناهضة لاستخراج الغاز الصخري في عام 2014 بعد بدء حفر آبار تجريبية (الصورة 3)، وتمحورت مخاوف المتظاهرين حول الشقين البيئي والصحي. ركز المتظاهرون على تأثير التنقيب عن الغاز الصخري على نضوب طبقات المياه الجوفية التي تغذي الواحات التقليدية وتدعم الزراعة في المنطقة وكذلك على الحماية من التلوث المحتمل لموارد المياه [10]. قاد الحركة مدراء تنفيذيون وعلماء نفط وغاز جزائريون طالبوا بإجراء حوار وطني شفاف حول استكشاف الموارد غير التقليدية [11]. حُشد المزيد من الدعم من البلدات والمدن الصحراوية المجاورة في جميع أنحاء البلاد، وفي النهاية، وقَّعت أكثر من 80 منظمة من إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة على بيانٍ جماعي للدعم والتضامن مع أهالي عين صالح [12]. وتعدّ هذه المرة الأولى التي تشهد فيها الجزائر تآزر العديد من المواطنين، نساءً ورجالاً، من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية وراء قضية بيئية بحتة [13]. بدايةً، انتشرت الاحتجاجات بشكل سلمي لكنها أدت في النهاية إلى مواجهات قمعية أصيب خلالها العديد من المتظاهرين ورجال قوات الأمن [10].
وقد نجحت التعبئة الشعبية لسكان عين صالح، بشكلٍ طفيف، بزرع بذور الشك في أذهان السياسيين الجزائريين والهيئات التنفيذية العاملة في القطاع وإبطاء استغلال الغاز الصخري الذي كان يهدف إلى الوصول إلى 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2022 [14].وفي البداية، قد أرجأت شركة النفط والغاز الوطنية “سوناطراك” مؤقتاً حفر المزيد من الآبار التجريبية، في حين أبدت الحكومة إصراراً قوياً على استغلال الغاز الصخري وعكس تأثير الانخفاض الكبير في عائدات النفط والغاز في الجزائر [10]. ومنذ مارس 2022، فقد طلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رسمياً من الإدارة العامة لسوناطراك ووزارة الطاقة البدء في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتدشين التنقيب عن الغاز الصخري واستغلاله تمهيداً لإضفاء الصبغة التجارية عليه في أقصر وقتٍ ممكن. ومع ذلك، فلا تعترف الحكومة الجزائرية بهذا القرار، صراحةً وعلانية، بسبب الموقف السياسي الضعيف والمقلق للبلاد فيما يتعلق بالصراع الحالي بين روسيا والغرب، ولكن أيضاً من منطلق القلق من رد فعل الرأي العام، لا سيما من سكان البلاد جنوب البلاد [15].
إن من المفترض أن يُفسح المضي قُدماً في هذا الطريق، إلى جانب العوائد الاقتصادية بالنسبة للجزائر، المجال أمام استثمارات رأسمالية كبيرة لإنشاء مرافق معقدة و عالية الجودة لمعالجة مياه وتقليل المخاطر على موارد المياه الجوفية. كما ينبغي أن يسبق ذلك كله عمل مكثف لتوعية مواطني الجنوب لطمأنتهم بأن الأثر البيئي على الجنوب تحت السيطرة، ذلك أنها منطقةٌ تعتبر فيها موارد المياه أكثر قيمة لمجتمعاتها من أي سلعة أخرى.
[1] Erbach, G, 2014. Shale gas and EU energy security. EPRS | European Parliamentary Research Service.
[2] Boersma, T, Vandendriessche, M and Leber, A, 2015. Shale Gas in Algeria: No Quick Fix. Policy Brief 15-01. Brookings Energy Security And Climate Initiative.
[3] Chibane, B, Bentchakal, M and Nedjari, N, 2014. ‘Gaz de schiste en Algérie: Aspect économique et environnemental.’ 2ème conférence Internationale des énergies renouvelables CIER-2014. International Journal of Scientific Research & Engineering Technology 3: 77-82.
[4] Rapport d’Information déposé en application de l’article 145 du Règlement par la Commission des Affaires Étrangères de France en conclusion des travaux d’une mission d’information constituée le 5 octobre 2010 sur La géopolitique de l’eau, 2011
[5] De Strasser, L, Touzi, S, 2020. Reconciling resource uses: Assessment of the water-food-energy-ecosystems nexus in the North Western Sahara Aquifer System Part 1 – “Nexus Challenges and Solutions”. UNITED NATIONS ECONOMIC COMMISSION FOR EUROPE.
[6] Mesureurs d’eau des foggaras du touat – tidikelt “kiyalin el-ma” 2018. Centre National de Recherches Préhistoriques, Anthropologiques et Historiques (C.N.R.P.A.H).
[7] Rahmouni, S, 2015. Étude des impacts environnementaux de gaz de schiste. Mémoire de fin d’étude. Université El-Hadj Lakhdar-Batna.
[8] Tahchi B, 2020. ‘Soucis environnementaux relatifs l’exploitation du gaz de schiste. L’Algérie peut-elle rivaliser les USA?’ University of Setif 1(1): 231-244.
[9] Osborn, S, Vengosh, A, Warner, N and Jackson, R, 2011. ‘Methane contamination of drinking water accompanying gas-well drilling and hydraulic fracturing.’ Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America 108(20): 8172-8176.
[10] Observatoire des Multinationales, 2015. Total et le Gaz de Schiste Algérien.
[11] Jeune Afrique, 2014. ‘L’Algérie veut exploiter son gaz de schiste plus tôt que prévu.’ Published 9 December 2014.
[12] Algeria Solidary Campaign, 2015. ‘Solidarité transfrontalière gaz de schiste Algerie.’ Published 25 January 2015.
[13] Malti, H, 2016. ‘La lutte contre le gaz de schiste en Algérie.’ Relations 782: 37-38.
[14] Agence EcoFin, 2014. « L’Algérie démarrera la production du gaz schiste en 2022 et vise 10 milliards m3 en 2025 »
[15] Semmar, A, 2022, « Révélations. Comment l’Algérie est en train de lancer discrètement l’exploitation du Gaz de schiste » Journaliste Indépendant.