مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ملف لبنان للمياه

بيروت ، لبنان
الصورة 1: صخرة الروشة ، بيروت ، لبنان. (Source: Jo Kassis, Pexels)

المساهمون:

المؤلفة: أماني مطر تعمل حاليًا في هولندا على مشاريع متعلقة بالمياه لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهي حاصلة على ماجستير في إدارة المياه والحوكمة من IHE Delft ، ودرجة البكالوريوس في الجيولوجيا من الجامعة الأمريكية في بيروت. عملت لأكثر من ست سنوات في شركة استشارية في لبنان مع مشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث اكتسبت خبرة في القضايا المتعلقة بالمياه والتحديات والفرص في المنطقة..

الزميل المراجع: د. نديم فرج الله مدير برنامج التغير المناخي والبيئة في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية – الجامعة الأمريكية في بيروت..

المقدمة

في منطقةٍ تواجه اليوم آثار النمو السريع وعدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ، فإن ندرة المياه تُشكل ضغوطاً إضافية على البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط. [1] تعتبر أزمة المياه أكبر تهديد المنطقةُ أقل استعداداً لمواجهته ، وتشكل تهديداً أكبر من عدم الاستقرار السياسي والبطالة.[2]

غالباً ما يوصف لبنان بالبلد الغني بالمياه، ويرجع ذلك غالباً لإمكانية رؤية المياه في كل مكانٍ هناك. ومع ذلك، تُظهر نظرة أكثر تعمقاً على العرض والطلب حقيقةً مغايرة، إذ أن توافر المياه للفرد هو في الواقع أقل من عتبة الفقر المائي، والتي يتم تعريفها على نطاق واسع على أنها عدم الحصول على المياه الكافية ذات الجودة الملائمة لتلبية الاحتياجات الأساسية. [6] وبالفعل، فإنه يتم استغلال المياه السطحية في لبنان بشكلٍ كبير، فضلاً عن استغلال موارد المياه الجوفية بشكلٍ مفرط في معظم المناطق. وُصفت قضية المياه في لبنان بالمفارقة: “مياهٌ وفيرة وشحيحة في آنٍ معاً.” [3] يشير هذا بشكل أساسي إلى الإدارة غير المستدامة لموارد المياه إلى جانب الإدارة الضعيفة التي فرضت ضغوطاً على هذه الموارد، وخاصة المياه الجوفية.[4]

الجغرافيا والمناخ

يقع لبنان على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، حيث تتكون التضاريس السائدة في البلاد من ساحل ضيق وسلسلتين جبليتين تتجهان شمال – شمال- شرق/ جنوب – جنوب – غرب ويفصل بينهما سهل البقاع الضيق. وقد تشكلت معظم هذه المعالم من خلال الأنشطة التكتونية على طول حدود الصفيحة التكتونية لصدع البحر الميت (أو كما يُسمى أيضاً نظام صدع البحر الميت التحويلي) (الخريطة 1). وقد شكلت هذه التكوينات التكتونية جيولوجيا البلاد، وكشفت عن الصخور المتصدعة التي يعود تاريخها إلى العصر الجوراسي، وكان لها تأثير تحكم كبير على النظام الهيدروجيولوجي. [4]

يتمتع لبنان بمناخ البحر الأبيض المتوسط، إذ يكون حاراً وجافاً صيفاً وبارداً وممطراً شتاءً. ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 15 درجة مئوية. [5] وتشير البيانات التي تم تحليلها مؤخراً إلى أن متوسط درجة الحرارة السنوية يتباين على النحو التالي، وذلك بناءً على مختلف الارتفاعات: المنطقة الساحلية (<250 متر): 24 درجة مئوية؛ والهضبة (250-750 متر): 22,5 درجة مئوية؛ والمناطق المرتفعة بشكل معتدل (750-1500 متر): 19,5 درجة مئوية؛ والمرتفعات (1500-2500 متر): 18,5 درجة مئوية؛ والقمم العالية (> 2500): 14 درجة مئوية. [6]

يجمع الهطول المطري ما بين الأمطار والثلوج، ويعتبر مصدر المياه الرئيسي في البلاد، مما يساهم في تجديد المياه. وبسبب الخصائص الطبوغرافية، فإن هطول الأمطار يختلف على مسافات قصيرة بين الساحل والجبال والمناطق الداخلية ما بين 650 (ملم) و1500 (ملم). ويعتبر الهطول الثلجي جانباً مهماً آخر لهطول الأمطار ومصدراً رئيسياً للمياه السطحية والجوفية. ويعدّ لبنان البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتواصل فيه تساقط الثلوج لعدة أشهر في الجبال ويغطي مساحة حوالي 2250-2500 كيلومتر مربعاً. [6]

ووفقاً لمجموعة البيانات المقاسة، فإن معظم هطول الأمطار يحصل بين شهري نوفمبر وفبراير، في حين يُسجل أقل هطول بين شهري مايو وأغسطس. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود عدة تقديرات متناقضة لهطول الأمطار، والتي تتراوح بين 800 ملم و982 ملم. ومع ذلك، وبناءً على حسابات حديثة لسلسلة بيانات على مدى ستة عقود، [7] قيُقدر متوسط هطول الأمطار بـ 910 ملم، وذلك بشكلٍ رئيسي بين شهري أكتوبر وأبريل، ويتوزع على ست مناطق مناخية (الشريط الساحلي، والهضبة، والمرتفعات الغربية، وسهل البقاع الشمالي، وسهل البقاع الجنوبي، والمرتفعات الشرقية).

خريطة لبنان - لبنان
الحريطة 1: السمات الطبوغرافية الرئيسية للبنان. المصدر: مقتبس من شعبان (2017) مع إضافة نظام صدع البحر الميت التحويلي بواسطة المؤلف. @Fanack water

السكان (النمو منذ عام 1950 والتوقعات حتى عام 2050)

وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، فقد بلغ عدد سكان لبنان عام 2018 حوالي 4,8 مليون نسمة. [8] وبعد ذلك بعامين، قد قدرت البيانات التي نشرها البنك الدولي عدد السكان بحوالي 6,8 مليون نسمة، [9] منهم حوالي 5,48 مليون لبناني و1,35 مليون لاجئ. [10] ومع ذلك، فقد قدرت أرقام الأمم المتحدة التي أوردتها المفوضية الأوروبية العدد الإجمالي للاجئين بـ 1,5 مليون نسمة. [11] ويوضح الشكل (1) عدد السكان بين عامي 1960 و2020، حيث يقدر أن 89% من السكان يعيشون في المناطق الحضرية. إن المدن الرئيسية الثلاث هي بيروت (العاصمة) وطرابلس وصيدا. [12] إن معدل النمو السكاني السنوي آخذ في الانخفاض، حيث تراجع إلى أرقام سلبية (-44٪) في عام 2020، وهي أدنى قيمة له منذ عام 1970، حيث يرتبط هذا بشكلٍ أساسي بالوضع السياسي في البلاد، مما قد أدى إلى تقلب كبير في معدل النمو، ولا يتوقع أن يتغير في أي وقتٍ قريب. [13] وفي الواقع، فإنه من المتوقع أن ينخفض عدد السكان إلى حوالي 6,2 مليون في عام 2030 قبل أن يبدأ في الزيادة مرة أخرى، ليصل إلى حوالي 6,5 مليون في عام 2050.[13]

الشكل (1): عدد السكان في لبنان من ستينيات القرن الماضي حتى عام 2020 (بالملايين). المصدر: مقتبس من بيانات البنك الدولي. [9] [10]

الاقتصاد (الناتج المحلي الإجمالي الحالي؛ والتوقعات؛ والقطاعات الرئيسية ونصيبها من الناتج المحلي الإجمالي)

يعاني الاقتصاد اللبناني من حالة من عدم الاستقرار خلال السنوات العشرين الماضية. فقد كانت الفترة الرئيسية للنمو الاقتصادي بين عامي 2006 و2010، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 9,2%. وبين عامي 2010 و2017، قد ثبت نمو الناتج المحلي الإجمالي عند نسبة 1,3%. وفي السنوات التي تلت ذلك، قد تراجع الوضع الاقتصادي مع انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي -7% في عام 2019 و -21% في عام 2020. [5] [14] وعلى مدى العامين الماضيين، فقد واجه لبنان عدة أزمات، بدءاً بأزمةٍ اقتصادية ومالية، تلتها أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وأخيراً انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020. وإلى جانب المأساة الإنسانية، فقد كان للأزمة الأخيرة تداعياتٍ على صعيد البلاد بأكملها، على الرغم من وقوع الانفجار في بقعةٍ جغرافية محددة. فاقمت هذه الأزمات نقاط الضعف الهيكلية طويلة الأمد في لبنان، والتي تشمل البنية التحتية منخفضة الجودة، وقطاع الكهرباء المختل، ونقص إمدادات المياه، والإدارة المحدودة للنفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، فضلاً عن ضعف الإدارة المالية العامة، واختلالات الاقتصاد الكلي، وتدهور المؤشرات الاجتماعية.[15]

وفي إحدى مراجعاته، فقد قارن البنك الدولي الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان بالأزمات التي ترتبط عادةً بالصراع والحرب. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان من حوالي 55 مليار دولار في عام 2018 إلى ما يقدر بنحو 20,5 مليار دولار في عام 2021، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بنسبة 37,1%، كما بلغ معدل التضخم في المتوسط 131,9% للأشهر الستة الأولى من عام 2021. [16]

بحيرة القرعون في سهل البقاع - لبنان
الصورة 2: بحيرة القرعون في قرية القرعون اللبنانية في سهل البقاع. ( Source: MAHMOUD ZAYYAT _ AFP photo)

[1] The World Bank, 2017. Beyond Scarcity: Water Security in the Middle East and North Africa.
[2] World Economic Forum, 2015. Global Risks 2015. 10th Edition. Insight Report. Geneva: World Economic Forum.
[3] Blom Invest Bank, 2017. Lebanon’s Paradox: Water is Abundant yet Scarce. Blog.
[4] UNDP (United Nations Development Programme), 2014. Assessment of Groundwater Resources of Lebanon.
[5] MoE (Ministry of Environment), 2020. Lebanon State of the Environment and Future Outlook: Turning the Crises into Opportunities (SoER 2020). With UNHCR, UNICEF and UNDP.
[6] Shaban, A, 2017. Water Resources of Lebanon (chapter 2). Springer Cham.
[7] Shaban A, Houhou, R, 2015. ‘Drought or humidity oscillations? The case of coastal zone of Lebanon.’ Journal of Hydrology 529: 1768-1775.
[8] Central Administration of Statistics, n.d. Population statistics.
[9] The World Bank Data, n.d. Population, total – Lebanon.
[10] The World Bank Data, n.d. Refugee population by country or territory of asylum – Lebanon.
[11] European Commission, n.d. European Civil Protection and Humanitarian Aid Operations – Lebanon factsheet.
[12] Middle East Policy Council, n.d. TeachMidEast – Lebanon.
[13] World Population Review, 2021. Lebanon Population (Live).
[14] The World Bank Data, n.d. GDP growth (annual %) – Lebanon.
[15] The World Bank, n.d. Lebanon – Overview.
[16] The World Bank, n.d. Lebanon’s Economic Update – October 2021.