مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الأمن المائي لدول الخليج في زمن التغير المناخي: التكيف مع ارتفاع درجة الحرارة وندرة الموارد

تغير المناخ الإمارات - المياه في دول مجلس التعاون الخليجي
الصورة 1: رشاشات تطلق بخار الماء على طول أحد شوارع دبي في 25 أغسطس 2021 للتخفيف على المشاة وسط موجة الحر. تشتهر مدن الخليج مثل دبي بالفعل بفصول الصيف الحارقة، لكن الخبراء يحذرون من أن تغير المناخ قد يجعل قريبًا أجزاء من المنطقة الغنية بالوقود الأحفوري غير صالحة لعيش البشر. حتى الآن، غالبًا ما يغادر سكان دبي إلى المناخات الأكثر برودة خلال الأشهر الأكثر حرارة، بينما يقضي الكثير من المقيمين وقتهم في التنقل بين المواقع المكيفة - أو يعتمدون على سائقي التوصيل للحصول على مجموعة من الخدمات. المصدر: Karim SAHIB / AFP

الكاتبة: وفاء المعمري

مقدمة

تتعرض دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحديات خطيرة بسبب التغير المناخي، وذلك بالتزامن مع سعيها إلى التغلب على مشكلتي ندرة المياه والتصحر الناتجين عن مناخها الحار والقاحل. علاوة على ذلك، ساهم التحول الحضري والصناعي في مضاعفة الازمة وزيادة مستويات التلوث. وأصبح حضور الظواهر المناخية القاسية واضحاً اليوم، مثل ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والعواصف الاستوائية. وربما يحمل المستقبل مزيداً من التحديات، وتحديداً على صعيد الموارد المائية.

توقعات التغير المناخي

توقع تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) حدوث تغيرات مناخية كبيرة في دول الخليج ومنها:

● ارتفاع درجات الحرارة: يُتوقع أن ترتفع بمعدل 1-2 درجة مئوية بحلول عام 2050، وبمعدل 4-6 درجة مئوية بحلول عام 2100.

● موجات الحر: ستشهد موجات حر شديدة ومتكررة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الأمراض المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة.

● الجفاف: زيادة ندرة المياه ومسببات الجفاف، وقد يؤثر ذلك سلباً على الزراعة والأمن الغذائي.

● ارتفاع مستوى سطح البحر: يُتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل متر واحد بحلول عام 2100 مما يؤدي إلى حدوث فيضانات وتآكل الساحل.

● ظواهر الطقس القاسية: يُتوقع تكرار ظواهر الطقس القاسية التي قد تتسبب في أضرار جسمية وخسائر في الأرواح.

تمتد آثار التغير المناخي إلى ما هو أبعد من التداعيات البيئية، إذ ستنتج عنها آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية خطرة. لذلك من الضروري أن نفهم الوضع المائي الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي قبل التطرق إلى الآثار المناخية المرتبطة بالمياه.

دول مجلس التعاون الخليجي
المصدر: Fanack Water

الموارد المائية في دول مجلس التعاون الخليجي

تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على المياه الجوفية غير المتجددة بسبب قلة موارد المياه المتجددة. وتتعرض هذه الموارد إلى ضغط كبير نتيجة الاستنزاف غير المستدام لها. لذلك، لا بد أن تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي منهجاً مستداماً لإدارة المياه، فضلاً عن الاستثمار في سبيل توفير مصادر جديدة للمياه، والتقليل من هدر المياه.

فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في المنطقة في ظل الزيادة السكانية والتوسع الحضري والتطور الزراعي والصناعي. وقد ارتفع استهلاك المياه في دول الخليج بستة أضعاف من 6 مليارات متر مكعب في الثمانينيات إلى 36 مليار متر مكعب عام 2018. وتشير التقديرات إلى أن السعودية وحدها ستشهد زيادة سنوية بنسبة 8.1% في الطلب المحلي على المياه على مدار الثلاثين عاماً المقبلة.

باختصار، تواجه المنطقة عدداً من التحديات الخطرة، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الموازنة بين العرض والطلب على المياه. كما تتطلب أزمة ندرة الموارد المائية زيادة الاعتماد على التحلية، وهو حل لا يخلو من العيوب. فمياه الخليج العربي والبحر الأحمر بطبيعتها أكثر ملوحة من المتوسط العالمي في المحيطات بسبب معدلات التبخر المرتفعة وانخفاض تدفق المياه العذبة، وفوق ذلك، صرنا اليوم نرى مئات من محطات تحلية المياه تصب المحلول الملحي في المناطق الساحلية. كما تخطط الحكومات للتوسع في مشروعات تحلية المياه. ويطرح ذلك مشكلة تتعلق بالاستدامة، فتركيزات الملح المرتفعة بالقرب من مآخذ المياه تتطلب طاقة أكبر في عمليات التحلية اللاحقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المستويات المرتفعة من المحلول الملحي تضرّ بالحياة البحرية والساحلية، ما يؤثر سلباً على السياحة الساحلية.

إجمالاً، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل عدداً كبيراً من التحديات المتعلقة بموارد المياه، فكيف سيساهم التغير المناخي في مفاقمة هذه التحديات؟

آثار التغير المناخي على دول مجلس التعاون الخليجي

تتفاقم مشكلة ندرة المياه في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب التغير المناخي وما يرتبط به من ظواهر مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط هطول الأمطار والتبخر، كما يزيد من احتمالات حدوث الفيضانات المفاجئة وارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة الملوحة.

الفيضانات المفاجئة
أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر عرضة للفيضانات المفاجئة بسبب الأمطار الغزيرة وضعف البنية التحتية الحضرية الخاصة بالصرف الصحي، فضلاً عن فقدان الغطاء النباتي نتيجة الرعي الجائر وقطع الأشجار (Kantoush & Dalila, 2020). ويتوقع مركز الخليج العربي للدراسات والأبحاث أن تقع فيضانات مدمرة على نحو متكرر، ورتب بعض الدول من حيث أكثرها عرضة لخطر الفيضان، فأتت الكويت أولاً ثم السعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر والبحرين.

الفيضانات في مكة
الصورة 2: سيارات مغمورة بالمياه بعد السيول المفاجئة في مدينة مكة المكرمة في 9 مايو 2014. غمرت الأمطار الغزيرة الطريق المؤدية إلى مكة المكرمة، مما تسبب في اختناقات مرورية وترك السيارات متروكة في الشوارع. المصدر: AFP PHOTO/STR

ارتفاع مستوى سطح البحر:
يعد ارتفاع مستوى سطح البحر من التداعيات الخطرة للتغير المناخي، إذ يعرّض البنية التحتية والنظام البيئي الساحلي للخطر. وهذا يهدد دول مجلس التعاون الخليجي التي تقع أكثر مدنها على الساحل.

البحرين مثلاً من أكثر الدول عرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، وربما تشهد فيضانات شديدة. ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر بنصف متر إلى غمر 77 كيلومتراً مربعاً من المناطق الساحلية في البحرين (AL-Jeneid et al.2007). وكذلك قد يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر في سلطنة عمان بنصف متر إلى غمر 386 كيلومتراً مربعاً من أراضيها. وفي الإمارات، قد يتسبب الارتفاع بالمستوى نفسه في غمر 5.1% من المناطق الحضرية. وإذا ارتفع مستوى سطح البحر بثلاثة أمتار، فربما تزداد المناطق الحضرية المتضررة إلى 40%. (KsiKsi et al., 2012). أما السعودية، فيُحتمل أن تتعرض 24% من مساحة مدينة ينبع إلى خطر الفيضانات وفقاً لسيناريوهات معتدلة (KSA.NC4 2022). وربما يُغمر نحو 77,185 كيلومتراً مربعاً من الكويت في حال ارتفع مستوى سطح البحر بنحو نصف متر إذا لم تُتخذ التدابير اللازمة لحماية الساحل. (Albanai, 2020, Second National Communiqué of the State of Kuwait, 2019).

وبشكل عام، قد يتسبب الغمر الناتج عن ارتفاع مستوى سطح البحر في تداعيات سلبية تضر بالموارد الطبيعية، بما فيها أشجار الأيكة الساحلية (المنغروف). وربما يؤدي ذلك إلى انخفاض أعداد الأسماك، وتراجع السياحة البيئية، وفقدان المناطق العازلة التي تحمي الساحل من موجات المد والجزر الاستثنائية.

زيادة الملوحة
تؤدي ارتفاع درجة حرارة سطح البحر إلى زيادة ملوحة المياه في الخليج العربي مدفوعاً بزيادة التبخر وقلة تصريف المياه العذبة وزيادة مشروعات تحلية المياه. وعلى مدار الستين عاماً الماضية، ارتفع متوسط الملوحة بمعدل 5-10 جرام لكل كيلو جرام (Vaughan et al., 2019)، ومن المتوقع أن يرتفع ذلك المتوسط بمعدل 5 جرامات لكل كيلو جرام في الساحل الجنوبي للإمارات بحلول نهاية القرن (AGEDI, 2015).

ولكن حجم البحر الضخم وعملية التوهين الطبيعية قد تساهم في تخفيف المياه متوسطة الملوحة من المحلول الملحي الناتج عن التحلية (Ibrahim et al, 2020). وتثير تداعيات التغير المناخي المرتبط بالمياه على دول مجلس التعاون الخليجي عدة أسئلة عن تدابير التكيف والتخفيف التي تتبعها الدول.

من الواضح أن تأثير تغير المناخ المرتبط بالمياه على دول مجلس التعاون الخليجي كبير. فما الخطوات والتدابير التي تتخذها البلدان بالفعل فيما يتعلق بالتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره؟

Desalinated Water Produced

الطموحات والتدابير المرتبطة بالتكيف مع التغير المناخي وتخفيف وطأته

على مدار العقدين الماضيين، اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي تدابير عدة للتقليل من الانبعاثات والتكيف مع التغير المناخي، مثل الابتكارات التكنولوجية ورفع كفاءة الطاقة والتحديث والتفكير في استخدام الطاقة النووية. ومع ذلك، أتت خمسة من أصل ست دول في مجلس التعاون الخليجي ضمن الدول العشر الأوائل من حيث نصيب الفرد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، وما يزال ينتظرهم كثير من العمل مستقبلاً.

تهدف الإمارات من خلال المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050 إلى الانتقال نحو اقتصاد أخضر يعتمد في 50% من استهلاكه على الطاقة النظيفة بحلول عام 2050، كما تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35.5% بحلول 2030.

وتعهدت السعودية في تقرير المساهمة المحددة وطنياً بأن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 50% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وأن تصل إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060 وأن تقلل نمو انبعاثات الميثان العالمي بنحو 30% بحلول عام 2030. ولكن سياستها بعد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين عام 2021 أثارت أسئلة عن مدى التزامها بترك الوقود الأحفوري.

والتزمت سلطنة عمان في تقرير المساهمة المحددة وطنياً بأن تتجه نحو اقتصاد أقل اعتماداً على الكربون وقائم على الطاقة المستدامة على تنخفض انبعاثات الكربون بنحو 7% بحلول 2030.

وتعهدت قطر عبر تقرير المساهمة المحددة وطنياً بتقليل انبعاثات الكربون بنحو 25% بحلول 2030 وفقاً لاتفاقية باريس. وتأتي بعض المبادرات مثل الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة لدعم هذه الأهداف.

وتشترك الكويت في مشروعات استراتيجية لخفض انبعاثات الكربون، وتستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 7.4% بحلول عام 2035.

الابتكارات والتدابير

اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي عدداً من الاستراتيجيات المختلفة لمواجهة آثار التغير المناخي على موارد المياه ومنها:

1. تحلية المياه: زيادة الاعتماد على التحلية من أجل توفير المياه وتقليل آثار موجات الجفاف وندرة المياه.

2. تخزين المياه: الاستثمار في البنية التحتية مثل السدود والخزانات لتخزين المياه للمستقبل في فترات الندرة.

3. الحفاظ على المياه: تنفيذ تدابير مثل قياس الاستهلاك والتسعير وتقليل التسرب للحفاظ على المياه.

4. الطاقة المتجددة: الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

5. إعادة الاستخدام وإعادة التدوير: تأسيس مبادرات للتشجيع على إعادة تدوير المياه وإعادة استخدامها لتقليل الهدر.

وبالإضافة إلى ذلك، تبنت دول مجلس التعاون الخليجي عدداً من الأساليب المبتكرة مثل:

1. تحلية المياه الصديقة للبيئة: اعتماد تقنيات تحلية موفرة للطاقة وصديقة للبيئة مثل التناضح العكسي والتبخير الوميضي متعدد المراحل. ويُستفاد من هذه التقنيات في تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتنتج مياه بجودة أعلى (gcc-sg.org).

2. الزراعة الذكية مناخياً: اعتمادات سياسات مثل تنويع المحاصيل، وزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، واستخدام أنظمة الري الموفرة للمياه، والحفاظ على التربة بغرض زيادة الإنتاجية وتقليل استهلاك المياه (fao.org).

3. الهندسة الجيولوجية: جربت بعض دول مجلس التعاون الخليجي استمطار السحب لزيادة إمدادات المياه. ولكن فعالية هذه التقنية وتأثيرها على البيئة ما يزال محل خلاف (wmo.int).

نحو المستقبل: توصيات لسياسات المياه والمناخ

على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتخذ إجراءات حاسمة بشأن الأمن المائي في المستقبل في ظل تغير المناخ. ونظراً إلى اعتماد المنطقة على تحلية المياه، يجب التفكير في العلاقة ما بين موارد المياه والطاقة. ولا شك في أن توفير المياه والطاقة لنحو 60 مليون إنسان في ظل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة احتمالات الجفاف أمر مكلف للغاية. وذكر البنك الدولي في تقرير بعنوان “تقوية المعرفة بالعلاقة المتداخلة بين المياه والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي” عدداً من الفرص التي يجب النظر إليها:

1. زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تحلية مياه البحر.

2. التوسع في استخدام المصادر المتجددة لخفض انبعاثات الكربون.

3. تطبيق تدابير تستهدف تجديد الموائل البحرية.

4. الاستثمار في البحوث لتحفيز الابتكار في إدارة المياه.

5. اعتماد السياسات وأسعار الاستهلاك لتشجيع استخدام أكثر كفاءة للمياه.

6. الاستفادة من مياه الصرف كمورد ثمين لتحسين الأمن الغذائي.

الخلاصة

تُعد دول مجلس التعاون الخليجي من بين أكثر الدول التي تعاني من أزمات المياه، وسوف تشتد تلك الأزمات بسبب التغير المناخي وسيكون لها تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية. وتحتاج تلك الدول إلى إجراء تغييرات جوهرية حتى تتمكن من توفير موارد للمياه في المستقبل، ومنها تقليل استهلاك المياه والتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من حدتها، فضلا عن تبني الأساليب المبتكرة والتحلية المستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وربما تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من تحقيق مستقبل آمن مائياً إذا تبنت ممارسات مستدامة مثل تقنيات تحلية المياه الصديقة للبيئة، والزراعة الذكية مناخياً، والحفاظ على المياه، والاعتماد على الطاقة المتجددة، وإعادة استخدام المياه وإعادة تدويرها. وربما تصبح تجربة استباقية ملهمة للمناطق الأخرى التي تواجه التحديات نفسها. ولكن الالتزام المستمر والتعاون وضخ الاستثمار هي كلها أمور ضرورية من أجل تحويل النيات إلى نتائج ملموسة. لذلك ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تعطي الأولوية للتمويل والبحث عن الحلول المستدامة وتنفيذها من أجل تحقيق هذه الأهداف. ومن خلال الاستفادة الفعالة من مواردها وتقديم نموذج يُحتذى، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تكون مثالاً يوضح كيفية التخفيف من آثار تغير المناخ وتأمين موارد المياه رغم ارتفاع درجات الحرارة والجفاف. وجدير بدول مجلس التعاون الخليجي أن تجعل سياساتها واستثماراتها متماشية مع أهداف الاستدامة وكفاءة الموارد والقدرة على الصمود على المدى الطويل، وهكذا لا تعود جهود تلك الدول بالنفع على سكانها فحسب، بل سوف تساهم أيضاً في دعم الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ وضمان مستقبل مستدام للجميع.