مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

نهر النيل محور مناقشات المؤتمر العاشر للهيمنة المائية

المؤتمر العاشر للهيمنة المائية النيل في لاهاي
الصورة 1: المشاركون في المؤتمر العاشر للهيمنة المائية في لاهاي. (المصدر: Abebe Yirga / Tim Nolden)

المُساهمون :
الكاتبة :جوليان شيلينجر، مرشحة لنيل شهادة الدكتوارة، جامعة توينتي، هولندا
الزميل المُراجع: د. جول أوزيرول، هي باحثة ومحررة ومؤلفة تحمل درجة الدكتوراه في الابتكار والحكم من أجل التنمية المستدامة. عاشت وعملت في تركيا وألمانيا وهولندا ، وهي تبحث في قضايا المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ أكثر من 10 سنوات.

يأخذ مفهوم الهيمنة المائية، الذي ابتكرته مجموعة لندن لأبحاث المياه، السلطة وديناميات السلطة كنقطة انطلاق في تحليل إدارة المياه العابرة للحدود. ومنذ مؤتمر الهيمنة المائية الأول في عام 2005، تم تطبيق هذا المفهوم في جميع أنحاء العالم، مع وجود حالاتٍ شائعة بما في ذلك نهر الأردن ونهر النيل وحوض دجلة والفرات. إن خير شاهدٍ على الزمالة الأكاديمية الموسعة، إنعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر الهيمنة المائية، الذي شهد تطوراً مطرداً، في لاهاي يومي 4 و5 أكتوبر 2019. ركزت هذه الدورة اليوبيلية على دور السلطة والتمثيل في النزاعات والتعاون في مجال المياه.

إلى جانب التفكير النقدي لمفهوم الهيمنة المائية، شملت المواضيع الرئيسية التي تم تناولها خلال المؤتمر الذي استمر ليومين، روايات مختلفة وصياغة دبلوماسية المياه في وسائل الإعلام والخطابات العامة، ومسائل التمثيل والمشاركة في المفاوضات حول المياه. شملت مواضيع النقاش الأخرى دور المعرفة والعلاقة بين السلطة وإنتاج المعرفة في سياقات مختلفة.

ضمنت منح السفر التي قدمها منظمو المؤتمر مشاركة الباحثين والخبراء الشباب في المؤتمر. من بين العديد من المتحدثين الشباب الذين قدموا رؤى من دراسات الماجستير أو الدكتوراه، كانت بلدان حوض النيل المختلفة ممثلة تمثيلاً جيداً على وجه الخصوص، وهي مصر وإثيوبيا والسودان.

صياغة نهر النيل في الإعلام والخطاب السياسي

من خلال جلستين مخصصتين وعدد من التنويهات خلال العروض التقديمية الأخرى، احتل حوض النيل مركز الصدارة خلال المؤتمر، مع تركيز قوي على وصف وصياغة النيل وسد النهضة الإثيوبي الكبير في الإعلام والخطاب السياسي.

في الجلسة الأولى، حلل مقدمو العروض تمثيل النيل في وسائل الإعلام المختلفة في إثيوبيا والسودان ومصر. عادةً ما تتحد المنظمات الإعلامية الإثيوبية، بحسب تحليل يشيوواس ديغو، حول موضوع “النيل وسد النهضة،” حيث يُقدم السد كمحركٍ للتنمية الوطنية ومثالاً للفخر. وعلى المستوى الدولي، يُنظر إلى الرؤية الإثيوبية لكل من النهر والسد على أنها واحدة من مشاريع “الوحدة الإفريقية،” حيث يعد النيل مساحة للتعاون ولا يعد سد النهضة مجرد مشروع إثيوبي، بل مشروعاً لعموم افريقيا. وعلى العكس من ذلك، يُظهر الإعلام المصري عملية تسييسٍ قوية للنيل، وهو ما تؤكده مركزية النيل بالنسبة لمصر. فقد وجدت كل من عبير تابعي ولما الحتو أن هذه المركزية تشمل جانباً سياسياً، قائماً على مفاهيم الأمن المائي واعتماد مصر على مياه النيل؛ وهو جانبٌ ثقافي يتمحور حول العلاقات القوية بين الهوية المصرية والنهر؛ والجانب البيئي الذي يشمل الحاجة إلى الحفاظ على المياه على أساس أهميتها السياسية والثقافية. وفي حين أن وسائل الإعلام الإثيوبية والمصرية موحدة في رواياتها السائدة، لاحظ تامر عبد الكريم أن وجهات نظر الإعلام السوداني أكثر تنوعاً. إن فكرة الخطر وعدم اليقين المتعلقة بسد النهضة أمر شائع جداً في التغطية الصحفية للسد، ولكن هناك مجموعة من التفسيرات والتوقعات للمستقبل.

بالإضافة إلى اختلاف الروايات نفسها، تركز دراسة مقارنة أجراها وندوسن ميكاجو سيد على المشاعر السائدة التي تم التذرع بها في التغطية الصحفية في إثيوبيا ومصر. ووجدت الدراسة أن وسائل الإعلام في كلا البلدين غالباً ما تستخدم الروايات المرتبطة بالغضب. وفي بعض الأحيان، تثير المقالات أيضاً التعاطف مع الدولة الأخرى واحتياجاتها المائية المتعلقة بالنيل، ومع ذلك، لا ينبغي السماح بتلبية هذه الاحتياجات على حساب دولة وسيلة الإعلام. فقد وجِد أن وسائل الإعلام الإثيوبية في كثير من الأحيان تستند في روايتها على مفاهيم الشعور بالفخر الوطني والتوق إلى الماضي، في حين أن وسائل الإعلام المصرية تميل إلى تقديم قضية السياسة المائية للنيل من منظور الخوف والقلق.

حوض النيل
عرض حول الهويات والتظلمات الوطنية في حوض النيل من تقديم ياسمين حافظ. الصورة: Abebe Yirga / Tim Nolden

كانت الانفعالات والشكاوى في البلدان الثلاثة أيضاً محور الجلسة الثانية حول نهر النيل، والتي تناولت دور العواطف وتأثيرها على السياسة المائية في الحوض. ونظراً لأن السدود غالباً ما تستحضر مشاعر قوية تتعلق بالتحكم في المياه، تم تسليط الضوء على العديد من أوجه التشابه بين سد النهضة والسد العالي في أسوان طوال الجلسة.

يعدّ ربط فكرة سد النهضة باعتباره مشروع تنميةٍ وطني اتجاهاً منتشراً جداً في وسائل الإعلام الأثيوبية، حيث ربط العرض الذي قدمته ياسمين حافظ مشروع السد بفرصة إثيوبيا للتغلب على عدد من المظالم الوطنية. حيث تتجذر المظالم التاريخية تجاه مصر بشكلٍ خاص في تصور الأثيوبيين تعرضهم لمظالم كبيرة بعد أن تلقت مصر مساعدة اقتصادية ودبلوماسية من حكامها البريطانيين خلال الحقبة الاستعمارية، مما أدى إلى اتفاقات مربحة بشأن النيل وغيرها من القضايا المركزية. وبالتالي، يُنظر إلى التنمية الاقتصادية وتنامي القوة الإقليمية التي يوفرها سد النهضة للإثيوبيين باعتبارها وسيلة “للحاق بركب” مصر وبرهنة أن إثيوبيا دولة مشاطئة أقوى في حوض النيل.

إن مشاعر كهذه موجودة في كل مكانٍ في عالم السياسة المائية بالمجمل، وفي حوض النيل على وجه الخصوص. ففي عرضه التقديمي حول قوة العواطف في السياسة المائية، قدم وندوسن ميكاجو سيد مصطلح “الخوف المائي،” الذي يعترف بالدور المركزي الذي يلعبه الخوف في الحوض. يشمل هذا كلاً من خوف دول المصب التي ترى نفسها تحت رحمة أولئك الذين يسيطرون على السد والخوف الذي يدفع دول المنبع إلى بناء سدٍ في المقام الأول، من أجل حماية أنفسهم من ندرة المياه والتصعيد السياسي من خلال زيادة قدرات تخزين المياه المحلية. يمكن أن تؤدي هذه المخاوف إلى تأجيج الصراع عندما يستغلها الزعماء السياسيون لتبرير تأمين موارد المياه. إن العلاقة الوثيقة بين النيل والهويات الوطنية في الحوض تجعل المنطقة معرضة بشكلٍ خاص لمثل هذا التصعيد.

يمثل التسييس والعواطف القوية المرتبطة بالنيل تحديين يجب معالجتهما من أجل التحرك نحو حل النزاع في الحوض. على الرغم من وجود بعض الخطابات التصالحية بين دول المشاطئة على مدى السنوات الماضية، إلا أنه لم يتحقق أي تقدم فعلي يذكر. فقد أدت الاختلافات في التوقعات تجاه التعاون، بما في ذلك القضايا ذات الأولوية والآليات، إلى زيادة تعقيد الاتفاقات الفعالة بين إثيوبيا والسودان ومصر. وفي عرضها الختامي، تحرّت إميلي بروك السبل الممكنة للانتقال من الوضع الراهن إلى حلٍ للنزاع بما يعود بالفائدة على جميع بلدان المشاطئة. قد تتمثل إحدى هذه السُبل بخلق “فرصٍ مغرية متبادلة” تكون جيدة إلى الحد الذي لا يمكن لأي دولة مشاطئة تفويتها. تتمثل مثل هذه الفرصة، بحسب بروك، بإنشاء “حوض موارد” تتقاسم فيه دول المشاطئة موارد مختلفة عبر الحوض، وبالتالي فتح باب التفاوض ليشمل قضايا خارج نطاق المياه. ومع ذلك، أضافت أن هيمنة المصالح الوطنية وخطاب الأمننة بين دول المشاطئة يشير إلى أنهم غير مستعدين حالياً للانخراط في مثل هذه التسويات.

السعي للتضامن عبر الحدود في حوض هلمند

صراعٌ آخر حول المياه وصل إلى طريقٍ مسدود تم تناوله أيضاً في جلسةٍ تم تخصيصها في المؤتمر لمناقشة حوض نهر هلمند. ومن الجدير بالذكر أنه تتشارك كل من أفغانسان و إيران حوض نهر هلمند ، إذ تقع غالبية الحوض في أفغانستان حيث يعتمد السكان المحليون على النهر للزراعة. كما يغذي نهرهلمند الأهوار في كلٍ من إيران وأفغانستان. بالرغم من أنه تم توقيع معاهدة بين أفغانستان وإيران في عام 1973، استمر النزاع، خاصة فيما يتعلق بمشاريع السدود المختلفة في الحوض. وفي الوقت الراهن، يبدو أن هناك عدم وضوح وافتقار للاتفاقيات المرتبطة بأكثر المشاكل إلحاحاً في الحوض، والتي ترددت في المناقشات أثناء الجلسة. ودون التوصل إلى اتفاقٍ حول القضايا التي يجب معالجتها في معاهدة جديدة، يبدو حل النزاع أمرٌ مستبعد.

بالإبتعاد قليلاً عن دبلوماسية المياه السياسية، قدمت سيدة زهرة غريشي مفهوم التضامن المائي كوسيلةٍ للمضي قدماً. يعتمد التضامن المائي على فكرة الهوية المشتركة عبر الحوض. لا يحتاج هذا إلى تضمين مجمل كل دولة على ضفاف النهر، ولكن فقط السكان الذين يعيشون في حوض النهر. وخلصت غريشي إلى أن هناك بالفعل عدداً من القيم الثقافية المشتركة على جانبي الحدود عبر حوض هلمند والتي يمكن أن تمثل مدخلاً لتوطيد قيم معيارية مشتركة وبناء تعايش سلمي قائم على هذه القيم.

العبر المستفادة من أحواض المشاطئة الأخرى

إن القضايا والتحديات التي تم التطرق إليها خلال المؤتمر العاشر للهيمنة المائية لا تقتصر على حوض النيل أو حوض هلمند أو الأحواض العابرة للحدود الأخرى التي تمت مناقشتها في الجلسات المختلفة. فمن التجارب والأمثلة المقدمة في لاهاي في شهر أكتوبر المنصرم، يمكننا أن نتعلم أساليب جديدة للتصدي لنزاعات المياه حول العالم.

وتم أيضا مناقشة دور المشاعر والهويات في تشكيل تمثيلات الأنهار أو مشاريع التنمية المحددة مثل سد النهضة في العديد من الجلسات وتم تسليط الضوء عليها كمسألة يتم تجاهلها كثيراً في دبلوماسية المياه. تشكل معالجة المظالم الماضية والحالية، المتعلقة ليس فقط بالمياه، ولكن أيضا ببلدان المشاطئة الأخرى بشكلٍ عام، خطوةً مهمة نحو حل النزاع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحديد فرص جديدة لحل النزاع من خلال استكشاف القيم والهويات المشتركة وكذلك من خلال توسيع مجالات التفاوض لتشمل قضايا خارج نطاق المياه.

بالإضافة إلى ذلك، كانت البيئة محور العديد من النقاشات خلال العديد من جلسات المؤتمر، إذ ناقشت إحدى الجلسات وبشكلٍ بارز مسألة إذا ما كانت الأنهار تتمتع بحقوقٍ خاصة. كانت هذه المناقشات بمثابة تذكيرٍ في حينه بضرورة صياغة المعاهدات آخذين بعين الإعتبار النظام البيئي للنهر، فضلاً عن إدراجها بنوداً تتعلق بمتطلبات التدفق البيئي وجودة المياه.