المؤلف:
جاكوب أوليفير دي ليث: هو من عشاق المياه من هولندا. ركز أثناء دراسته للتاريخ والإدارة البيئية على التطورات السياسية في أنظمة إدارة المياه. يعمل في شركة Vitens الهولندية للمياه وتشمل اهتماماته تنمية القدرات والثقافة والسفر إلى الشرق الأوسط.
المقدمة
يقع العراق في المنطقة الجغرافية التاريخية المعروفة باسم بلاد الرافدين أو “بلاد ما بين النهرين،” في إشارةٍ إلى نهري دجلة والفرات. ويتدفق النهران، اللذان ينبعان من جبال شرق تركيا، في رحلةٍ عبر أجزاء من أراضي تركيا وسوريا والعراق قبل أن يلتقيا في مدينة القرنة العراقية ليشكلا الممر المائي المعروف باسم شط العرب، الذي يصب في نهاية المطاف في الخليج العربي. كما أن لغربي إيران نصيبٌ من حوض نهريّ دجلة والفرات؛ حيث تنشأ العديد من روافد نهر دجلة في جبال زاغروس الإيرانية.
ويواجه نظام نهري دجلة والفرات العديد من التحديات، مثل انخفاض منسوب المياه وجودتها. ويهدد انخفاض إنتاجية المياه وتغير المناخ وبناء السدود نظام النهرين ويؤدي إلى ضررٍ دائم بالطبيعة، فضلاً عن تزايد الهجرة إلى المناطق الحضرية وأحياناً اندلاع النزاعات العنيفة في العراق. [1] ويهدف هذا التقرير إلى تحديد الأسباب الرئيسية لهذه القضايا على أمل أن يشكل أيضاً مصدر إلهامٍ للحلول الممكنة في العراق.
حوض نهريّ دجلة والفرات
تقع منابع نهريّ دجلة والفرات على بُعد 80 كيلومتراً من بعضها البعض في شرقي تركيا. [2]ويتدفق نهر الفرات عبر سوريا قبل أن يدخل مدينة القائم الحدودية العراقية ويبلغ طوله الإجمالي حوالي 2,800 كيلومتر. أما نهر دجلة، وبعد أن يغادر الأراضي التركية، فيتبع بمساره الحدود الشمالية الشرقية لسوريا لفترةٍ وجيزة قبل أن يدخل إقليم كردستان في العراق عند بلدة فيش خابور. ويبلغ إجمالي طول نهر دجلة حوالي 1,900 كيلومتراً، ويبلغ إجمالي مساحة حوض نهريّ دجلة والفرات 917,103 كيلومتر مربع.[3]
ويقع حوض النهرين في عدة مناطق مناخية، تتراوح ما بين مناخ البحر الأبيض المتوسط إلى مناخٍ حار وجاف يشبه المناخ الصحراوي. وفي الأجزاء العليا من الحوض، يضمن هطول الأمطار وتساقط الثلوج مستويات مرتفعة من الهطول المطري (تصل إلى 1,500 ملم في السنة)، بينما تشهد الأجزاء السفلية من الحوض هطولاتٍ منخفضة للغاية (تصل إلى 60 ملم في السنة).[4]
إن نظام النهر يقع في واحدة من أطول المناطق المأهولة بالسكان في العالم، إذ يعود تاريخ مدن بابل وأوروك ونمرود القديمة إلى عدة آلاف من السنين. وتعد المنطقة موطناً لعددٍ لا يحصى من المواقع المهمة في الكتب المقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين، بيد أن نظام النهر قد تغير بشكلٍ ملحوظ على مدار آلاف السنين. ومن خلال دراسات الرواسب، فقد وجد علماء الآثار دليلاً على أن المجاري المائية تغيرت، مما يثبت حصول فتراتٍ من الجفاف والفيضانات وارتفاع الملوحة وانخفاضها على مر التاريخ، والتي قد أثرت على ملايين الأشخاص.[5]
وعلاوةً على ذلك، يسكن المنطقة مجموعة متنوعة من الشعوب، بما في ذلك الأتراك والأكراد والعرب. ويدعم نهر الفرات وحده سبل عيش ما يقرب من 60 مليون شخص لا سيما من خلال الري، فضلاً عن كونها موطناً للحياة البرية، حيث تشكل الأهوار العراقية في الجنوب الشرقي منطقة مذهلة من الأراضي الرطبة تبلغ مساحتها حوالي 35,000 كيلومتر مربع.[6]
تحديات المياه في العراق
يواجه العراق تحديات متعددة فيما يتعلق بكلٍ من طرق الري وأنظمة الري. وعلى الرغم من وجود الري حول نهريّ دجلة والفرات لأكثر من 6000 عام، إلا أن أنظمة الري يعيبها سوء التنظيم، إذ غالباً ما يستخدم المزارعون العراقيون أساليب قديمة مثل الري السطحي، وكنتيجةً لذلك يمثل الري حوالي 80% من استهلاك المياه في البلاد. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإدخال أساليب أكثر فعالية مثل الري بالتنقيط، إلا أن التقدم المحرز بطيء للغاية. [7]
كما قد أدت عقودٌ من الحرب والفساد المستشري إلى إضعاف البنية التحتية للعراق، ومع ذلك، فيواصل المزارعون استخدام البنية التحتية البالية والمتضررة للري. وقد أدى الافتقار إلى صيانة وإدارة أنظمة الري إلى ضعف المحاصيل الزراعية، مما يعني استهلاك المزيد من المياه لإنتاج المحاصيل اللازمة. علاوةً على ذلك، فقد أدى التملح والتشبع بالمياه إلى هجر حوالي 1,5 مليون هكتار، أي ما يعادل حوالي 40% من الأراضي العراقية الصالحة للزراعة. [8]
وتتفق الحكومات والنشطاء، مثل حملة إنقاذ نهر دجلة، وجمعية حماة دجلة وجمعية حماة الفرات،[9] على أنه لمنع المزيد من شحّ المياه في المستقبل، فإنه ينبغي اتخاذ إجراءاتٍ فورية لتقليل استهلاك العراق من المياه. ونظراً لاستهلاك معظم المياه في العراق للري، فإن القطاع الزراعي يعتبر محور هذه القضية. [10]
وتتعاون العديد من الجهات الفاعلة الدولية، مثل منظمة People in Need ومنظمة Cordaid، مع المزارعين العراقيين لتسريع الانتقال المستدام وتحسين فعالية عملياتهم. فعلى سبيل المثال، يهدف مشروع تسريع الأعمال الزراعية إلى إعادة بناء الأعمال التجارية الزراعية من خلال بناء قدرات الشباب والنساء، بينما يقدم لهم دوراتٍ تدريبية في مجال الأعمال حول الأساسيات مثل قانون الأعمال وأبحاث السوق والعلامات التجارية وتغير المناخ والشؤون الاجتماعية والبيئية. ووفقاً للبنك الدولي، فقد تلقى العراق أكثر من ملياري دولار من المساعدات الخارجية في عام 2020.[11]
أسباب وعواقب تحديات المياه في العراق
قد يواجه العراق انخفاضاً بنسبة 20% في موارد المياه العذبة المتاحة بحلول عام 2050. [12] أما فيما يتعلق بإمدادات المياه من نهريّ دجلة والفرات، فهناك سببان رئيسيان لهذا الانخفاض؛ وهما تغير المناخ وبناء السدود. ويناقش هذا الفصل أسباب وعواقب انخفاض كمية وجودة المياه.
انخفاض كمية المياه
قد كان لتغير المناخ وحالات الجفاف الناجمة عنه تأثيرٌ شديد على العراق في السنوات الأخيرة. ووفقاً لمعهد قبرص، فقد شهد العراق والمناطق المحيطة به بالفعل ارتفاعاً في درجة الحرارة بمقدار 0,4 درجة مئوية في العقود الأربعة الماضية، متجاوزاً الزيادات في درجات الحرارة العالمية. كما قد واجهت البلاد موجات جفاف وموجات حر شديدة على مدار السنوات الماضية. [13] فقد كان موسم الأمطار لعام 2020-2021 الثاني من حيث الأكثر جفافاً منذ أربعة عقود، مما قد سبب انخفاض تدفق المياه بنسبة 29% في نهر دجلة و73% في نهر الفرات. ومن المتوقع أن ينخفض تدفق المياه أكثر بنسبة 25% و50% لكلٍ منهما على التوالي بحلول عام 2025.
وقد دفعت هذه التنبؤات المثيرة للقلق 13 مجموعة وطنية-دولية إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من أن “أزمة المياه المتفاقمة ستصبح كارثةً لم يسبق لها مثيلٌ في القريب العاجل” مما قد يهدد سبل عيش أكثر من 7 ملايين نسمة في العراق. [14] وبالفعل، فقد أدت أزمة المياه إلى نزاعاتٍ داخلية عنيفة مثل النزاع العشائري بين عشيرتيّ الحريش وآل مريان حول القضايا المتعلقة بالمياه، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً في عام 2018.[15]
السدود التركية عند المنابع
Tقد بسطت تركيا سيطرتها على أجزاء نهريّ دجلة والفرات الواقعة داخل أراضيها من خلال تشييد العديد من السدود على مدار عقودٍ من الزمن، ولا سيما مشروع جنوب شرق الأناضول (Güneydoğu Anadolu Projesi). وقد تم الإعلان عن مشروع جنوب شرق الأناضول في الثمانينيات باعتباره مشروعاً لتعزيز الري والطاقة الكهرومائية في المناطق الجنوبية الشرقية الفقيرة في تركيا. وقد تمثل هدف المشروع في بناء ما مجموعه 22 سداً و19 محطة لتوليد الكهرباء في تسع محافظات. ومنذ ذلك الحين، فقد تحول إلى مشروع إنمائي إقليمي متكامل، متضمناً العديد من مشاريع التعليم وتمكين المرأة وغيرها من المشاريع الاجتماعية أيضاً. ومع ذلك، فما يزال مشروع جنوب شرق الأناضول مثيراً للجدل إلى حدٍ كبير، سواء داخل تركيا أو خارجها، خاصة وأن البعض يدعي أن المشروع يهدف إلى محو الوجود الثقافي والاجتماعي والسياسي للأكراد في المنطقة والدول الواقعة على ضفاف النهر.[16]
ومن خلال بناء السدود، فقد فرضت تركيا أيضاً سيطرتها على جيرانها من دول المصب، فعلى سبيل المثال، فإنه يمكن لسديّ كاراكايا وأتاتورك على نهر الفرات تخزين كمية من المياه الصالحة للاستخدام تعادل تقريباً التدفق السنوي لنهر الفرات الذي يصل إلى سوريا. وإلى جانب ذلك، فقد تم رفع سعة تخزين المياه الصالحة للاستهلاك في خزانات السدود المشيدة على نهر دجلة، بما في ذلك سد إليسو الذي غمر عدة أجزاء من مدينة حصن كيفا الكردية الأثرية [17]، خزانات إلى ما نسبته 70% من متوسط التدفق السنوي إلى العراق. ومع تضاؤل إمدادات المياه في سوريا وخاصة العراق، فإن قبضة تركيا تزداد على هذه البلدان.[18]
السدود الإيرانية عند المنابع
قد عمدت إيران إلى بناء السدود مما قد أسفر عن تقليل تدفق أنهارها العابرة للحدود إلى حدٍ كبير، مثل أنهار ديالى/ سيروان (باللغة العربية و الكردية على الترتيب)، وأرفاند والزاب الكبير والصغير، مما قد أثار غضب العراق. وفي عام 2021، قد دعا حسن روحاني، الرئيس الإيراني آنذاك، إلى إقامة المزيد من مشاريع الري “الحديثة” على الحدود مع العراق، بعد تقديم خطط لبناء 109 سدود في عام 2019. وبالنسبة لإيران،فإن مثل هذه الإجراءات تعد ضرورية حيث تعبر حوالي 7 مليارات متر مكعب من المياه الحدود مع العراق سنوياً. [19] ونظراً لمعاناة إيران من العديد من المشاكل المتعلقة بالمياه، فضلاً عن التوقعات بمعاناة البلاد من شحٍ في المياه بحلول عام 2036، فقد اختارت الاحجام عن التعامل بدبلوماسية والتركيز على مصالحها الخاصة فحسب.[20]
جهودٌ دبلوماسية
قبل الستينيات، لم يكن استهلاك المياه مصدر توترٍ بين تركيا وسوريا والعراق. ومع ذلك، وبسبب النمو السكاني والتقدم التكنولوجي، فقد بدأت هذه البلدان بإنشاء مشاريع مائية أحادية الجانب، مثل سد كيبان في تركيا وسد الطبقة في سوريا. وقد بدأت تركيا وسوريا في استخدام سدودهما في وقتٍ واحد أثناء الجفاف في عام 1975، مما أوشك على اندلاع نزاعٍ مسلح. [21] ومنذ ذلك الحين، فقد برزت تركيا بوصفها الأقوى في الحوض، مستخدمةً تدفقات نهري دجلة والفرات للضغط على جيرانها على ضفاف النهر.[22]
وقد بُذلت جهودٌ للتخفيف من حدة المشكلة، خاصة خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث قد تم اقتراح إعادة تشكيل اللجنة الفنية المشتركة لعام 1980، وعلى وجه الخصوص، فقد وقعت تركيا مذكرات تفاهم مع سوريا والعراق بشأن إدارة المياه في عام 2009. [23] ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك أي تعاونٍ في هذا المجال، وقد برز ذلك من خلال استمرار تركيا في ملء السدود.[24] وقد نتج ذلك إلى حدٍ ما بسبب سنواتٍ من الحرب الأهلية وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ومع ذلك، ونظراً لعدم توقيع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المجاري المائية لعام 1997، فإن التزاماتها القانونية المتعلقة باستهلاك والحفاظ على المياه في نهري دجلة والفرات تظل محدودة.[25]
لكن الوضع بين العراق وإيران أكثر صعوبة، حيث يبدو أن إيران غير مستعدة للدخول في أي حوار مع العراق، وقد أدى ذلك إلى توترات بين البلدين. عولاوةً على ذلك، فإن العراق يخطط لرفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن نزاعات المياه مع إيران، وفقاً لما أعلنه مهدي رشيد الحمداني، وزير الموارد المائية العراقي في عام 2022. وبحسب الحمداني، فإن إيران تخزن مياهاً أكثر من اللازم، مما يضر بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العراقية. [26]
أزمة المياه في البصرة
إن أزمة المياه في البصرة تعتبر مثالاً على الحالة المزرية لموارد المياه العراقية، ففي عامي 2018 و2019، قد تم نقل حوالي 100 ألف شخص إلى المستشفى بسبب نقص المياه الصالحة للشرب وما تبعه من تفشٍ لمرض الكوليرا. وعليه، فقد اندلعت أعمال شغبٍ واسعة النطاق في محافظة البصرة جنوب شرق العراق المتاخمة للكويت. وقد أعقب ذلك ضجة عالمية بشأن الحالة المزرية لموارد المياه في واحدة من أكثر مناطق العراق اكتظاظاً بالسكان والأكثر غنى بالنفط وثراءً. وفي عام 2019، قد نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراً حمل عنوان “البصرة عطشانة: تقاعس العراق عن معالجة أزمة المياه،” وهو تقرير يرسم صورة قاتمة لإدارة موارد المياه المحلية على مدى العقود الأربعة الماضية.
وعلى الرغم من أن الأزمة محتدمة منذ عقود، إلا أن التلوث الناتج عن صناعة النفط وتضاؤل إمدادات المياه بسبب بناء السدود على نهري دجلة والفرات وروافدهما من قبل تركيا وإيران يعتبران السببين الرئيسيين للأزمة.[27]
تأثير صناعة النفط على الوضع المائي في العراق
إن أحد الأسباب التي تجعل تركيا قادرة على الحفاظ على أفضليتها المائية على العراق هو اختلال التوازن التجاري بين البلدين، ويذكر موقع مرصد التعقيد الاقتصادي أن صادرات تركيا إلى العراق تقدر بأربعة أضعاف الصادرات العراقية إلى تركيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصادرات التركية متنوعة للغاية، بدءاً من المعادن إلى المواد الغذائية والملابس، في حين أن الصادرات العراقية تكاد تكون محصورة في المعادن والمنتجات النفطية. [28] ولذلك، يعتمد العراق على تركيا في الحصول على المياه بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المنتجات الأخرى. وما دام بقي العراق معتمداً على تركيا، فلا يوجد حافز (اقتصادي) لتركيا للتخفيف من حدة الوضع، وبالإضافة، فمن المرجح أن تفشل جهود العراق الدبلوماسية في تحسين الوضع المائي ومن الممكن توقع استمرار اختلال التوازن بين الدولتين.
وعلاوة على ذلك، فلا يتسبب اعتماد العراق على صناعة النفط في مشاكل خارجية فحسب، بل يؤدي هذا أيضاً إلى تلوث كبير لهواء وتربة ومياه البلاد. وقد استخدم تقرير صادر عن مجموعة بيليغ كات المختص بالصحافة الاستقصائية ومقرها هولندا، صور الأقمار الصناعية لإظهار كيف أن صناعة النفط تلوث المياه الجوفية والمياه السطحية بعدة طرق، مثل حقن مياه الصرف الصحي في الأرض بالقرب من البنية التحتية لمياه الصرف الصحي وفي الممرات المائية مثل شط العرب قرب البصرة. إن عواقب ذلك وخيمة، حيث يمكن للطيور أن تخطئ بين النفايات النفطية والمياه. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كانت المياه الملوثة السبب الرئيسي الذي قد أدى إلى اشتعال أزمة المياه في البصرة في عام 2019.[29]
الاستنتاجات والتوقعات
يقدم هذا الفصل نظرة عامة على القضايا المتعلقة بنهري دجلة والفرات في العراق.
إدارة المياه على المستويين الوطني والمحلي
تقول شراكة المياه والسلام والأمن (WPS) بأنه ينبغي أن تحظى الديناميكيات الداخلية بمزيدٍ من الاهتمام عندما يتعلق الأمر بقضايا المياه في العراق، إذ قد أوضحت المنظمة أن هذه الديناميكيات يتم تجاهلها في الغالب في وسائل الإعلام والتقارير السياسية والعلمية حول الوضع. وهنا يقترحون ثلاث “ركائز أساسية لتعزيز الاستقرار”: 1) تحديد وفهم تحديات المياه بين المحافظات، و2) زيادة الوعي وتشجيع الحوار، و3) دعم الأنشطة لمنع و/ أو التخفيف من مخاطر النزاع.[30]
تقترح شراكة المياه والسلام والأمن استخدام أدوات الإنذار المبكر والبيانات الضخمة والاستشعار عن بعد لتحديد النقاط الساخنة والمخاطر والصراعات المحتملة، بل إن استخدام البيانات الكمية في صنع القرار يمكن أن يساعد العراق على ترتيب أولويات القضايا (المتعلقة بالمياه). ويرتبط هذا بشكلٍ مباشر بالركيزة الثانية (زيادة الوعي وتشجيع الحوار)، حيث غالباً ما تتم إعاقة الجهود الحالية بسبب تضارب المصالح من مختلف أصحاب المصلحة، الأمر الذي يعدّ متجذراً في الديناميات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. ويمكن أن توفر الأدوات المستندة إلى البيانات المعلومات المحايدة الضرورية لتجاوز تضارب المصالح هذا؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لهذه الأدوات إثراء المناقشات حول الموارد المائية بين العراقيين الأكراد في الشمال والعراقيين العرب في الجنوب، والتي غالباً ما تطغى عليها القضايا الثقافية والاجتماعية عوضاً عن الوضع المائي.
ولربما تكون الركيزة الثالثة (الأنشطة الداعمة لمنع و/أو التخفيف من مخاطر النزاع) الأصعب من ناحية تحقيقها في السنوات القادمة، إذ تنطوي على دعم المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بأدوات تعتمد على البيانات. وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت الحكومة العراقية بمقاضاة أعضاء نشطين في المجتمع المدني عدة مرات في السنوات الماضية وقمعت الاحتجاجات، مما يجعل هذه الركيزة بالذات تُشكل تحدياً على نحوٍ خاص.[31]
إدارة المياه العابرة للحدود
ينبغي أن تواصل الجهود الدبلوماسية التأكيد على أهمية المعاهدات متعددة الأطراف لتحسين الوضع المائي في حوض نهريّ دجلة والفرات. وتوفر العديد من الأحداث القادمة سياقات واعدة يمكن خلالها أن تتحقق مثل هذه الجهود.
الأول هو مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ 2022 (COP 27)، والذي سيعقد في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022 في شرم الشيخ في مصر. فمصر والعراق في موقف مماثل، بمعنى أنهما تقعان في اتجاه مجرى نهرٍ لبلدٍ يحجز كمياتٍ كبيرة من المياه في سدود الطاقة الكهرومائية، [32] ومن المرجح أن تنتهز مصر الفرصة للتأكيد على الحاجة إلى حل دبلوماسي مع إثيوبيا. وفي حال تم التوصل إلى مثل هذا القرار، أو حتى إذا تم اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه خلال المؤتمر، فقد يشكل ذلك سابقة تشتد الحاجة إليها لحوض دجلة والفرات.
وبعد عام، إي في عام 2023، ستلوح الفرصة الثانية ذات الأهمية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الثامن والعشرين، والذي سيعقد في أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، [33] حيث سيعقد أكبر مؤتمر للمناخ في العالم مرتين على التوالي في دولة عربية بها مناخ مشابه للعراق. وقد صرحت فيكي هولوب، الرئيس التنفيذي لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، وهي شركة نفط أمريكية كبرى، أن “[مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الثامن والعشرين الذي سيُعقد في أبو ظبي] سيمنح صنّاع النفط الفرصة للتعبير عن رأيهم [في حل مشكلة تغير المناخ]”. [34] ومن حيث المبدأ، فستقدم صناعة النفط خطواتٍ كبيرة للحد من التلوث، والذي بدوره يمكن أن يقلل من التأثير السلبي لصناعة النفط على جودة المياه في العراق.
وعلاوةً على ذلك، فيُعقد مؤتمر بغداد الدولي للمياه، منذ عام 2021، سنوياً في شهر مارس [35]، والذي تنظمه وزارة الموارد المائية العراقية، ويهدف المؤتمر إلى التغلب على القضايا المتعلقة بجودة المياه وإمدادات المياه. وفي عام 2022، قد حضر وفد تركي المؤتمر برئاسة فيصل إيروغلو، الممثل الرئاسي الخاص للعراق. وقد تم تعيين إروغلو من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2019 لتسهيل الحوار من أجل تحسين إدارة المياه في العراق. [36] وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر لم يسفر بعد عن انجازاتٍ كبيرة، إلا أن الحوار الحافل بالنشاط بين البلدين يعد تطوراً إيجابياً ينبغي أن تيسره المنظمات الدولية التي تُقيّم النتائج المترتبة على سياسات جميع أصحاب المصلحة المعنيين. ومن الأمثلة الممكنة على هذه المنظمات البنك الدولي أو مجلس المياه العالمي أو لجنة من مبعوثي المياه الدوليين.
الاستنتاج
إن العراق يواجه تحدياتٍ مائية كبيرة معقدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وعلى الرغم من أن التوقعات المذكورة أعلاه تقدم عدة خطواتٍ نحو التخفيف من المشكلات الأكثر إلحاحاً، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كان يمكن تنفيذ هذه الخطوات ومتى وكيف يمكن تنفيذها. ولذلك، فيجب دعم السياسات التي تضمن التنمية المستدامة وبناء المؤسسات ليبقى العراق كما عُرف دوماً ببلاد الرافدين.
[1] Water, Peace and Security, 2021. Interprovincial Water Challenges in Iraq: Initial Analysis of an Urgent and Under-researched Crisis. Working Paper.
[2] Britannica, 2016. Tigris-Euphrates river system.
[3] Al-Ansari, N, Aljawad, S, Adamo, N and Sissakian, V K, 2018. ‘Water quality within the Tigris and Euphrates catchments.’ Journal of Earth Sciences and Geotechnical Engineering 8(3): 95-121.
[4] Daggupati, P, Srinivasan, R, Ahmadi, M and Verma, D, 2017. ‘Spatial and temporal patterns of precipitation and stream flow variations in Tigris-Euphrates river basin.’ Environmental Monitoring and Assessment 189: 50.
[5] Britannica, 2016. Tigris-Euphrates river system.
[6] One Earth, 2019. Tigris-Euphrates Alluvial Salt Marsh.
[7] Ibid.
[8] Ibid.
[9] Lifegate, 2020. ‘Rebuilding Iraq starting from the water. The story of Salman Khairalla;’ and ICSSI, 2019. ‘Building the network of water activists in Basra.’
[10] 1001 Iraqi Thoughts, 2018. ‘The importance of fixing Iraq’s irrigation.’
[11] World Bank, 2020. Net official development assistance and official aid revenue (current US$) – Iraq.
[12] World Bank, 2021. ‘Iraq: Rising Fiscal Risks, Water Scarcity, and Climate Change Threaten Gradual Recovery from Pandemic.’ Press release, published 24 November 2021.
[13] Ibid.
[14] Reliefweb, 2022. ‘Water crisis and drought threaten more than 12 million in Syria and Iraq’. Published 23 August 2021.
[15] Al-Monitor, 2018. ‘Tribal disputes flare in southern Iraq over water scarcity’. Published 14 February 2018.
[16] Hommes, L, Boelens, R and Maat, H, 2016. ‘Contested hydrosocial territories and disputed water governance: struggles and competing claims over the Ilisu Dam development in southeastern Turkey.’ Geoforum 71: 9-20.
[17] Initiative to Keep Hasankeyf Alive, 2020. ‘Urgent call to resolve mounting problems in Hasankeyf.’ Published 1 September 2020.
[18] Dubois King, M, 2020. Water and Conflict in the Middle East. New York, Oxford University Press, p. 40.
[19] MEI, 2021. ‘Water scarcity could lead to the next major conflict between Iran and Iraq.’ Published 18 March 2021.
[20] Al-Monitor, 2022. ‘Iran, Iraq exchange accusations over water flow.’ Published 25 January 2022.
[21] Kibaroglu, A and Scheumann, W, 2013. ‘Evolution of transboundary politics in the Euphrates-Tigris river system: New perspectives and political challenges.’ Global Governance 19(2): 279-305.
[22] Climate Diplomacy (n.d.). ‘Turkey, Syria and Iraq: Conflict over the Euphrates-Tigris.’
[23] Ibid.
[24] Dubois King, M, 2020. Water and Conflict in the Middle East. New York, Oxford University Press, p. 70.
[25] UNECE, 2014. UN Watercourses Convention.
[26] Al-Monitor, 2022. ‘Iran, Iraq exchange accusations over water flow.’ Published 25 January 2022.
[27] Human Rights Watch, 2019. Basra is Thirsty. Iraq’s Failure to Manage the Water Crisis.
[28] The Observatory of Economic Complexity, 2022. Iraq.
[29] Bellingcat, 2021. ‘What oil, satellite technology and Iraq can tell us about pollution.’ Published 15 April 2021.
[30] Water, Peace and Security, 2021. Interprovincial Water Challenges in Iraq: Initial Analysis of an Urgent and Under-researched Crisis. Working Paper.
[31] UNHCR, 2021. ‘Mandates of the Special Rapporteur on the situation of human rights defenders.’ Published 1 November 2021.
[32] United Nations Climate Change, 2022. Sharm el-Sheikh Climate Change Conference – November 2022.
[33] IISD, 2022. 2023 UN Climate Chance Conference (UNFCCC COP 28).
[34] Alarabiya News, 2021. ‘COP 28 in Abu Dhabi will give oil industry a say on climate change: Occidental CEO.’ Published 17 December 2021.
[35] Baghdad Water Conference, 2022. Baghdad 2nd International Water Conference.
[36] Al-Monitor, 2019. ‘Turkey names “water czar” to ease disputes with Iraq.’ Published 22 January 2019.