مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

منتدى المياه الأول في منطقة وادي الرافدين يعالج التحديات الرئيسية لإدارة المياه الإقليمية

منتدى المياه الأول في منطقة وادي الرافدين
الصورة 1: صورة جماعية للمشاركين في المنتدى بعد الإعلان عن بيان المنتدى. ( المصدر: Save Tigris / Facebook)

بقلم: جوليان شيلينجر

عُقِد مُنتدى المياه في منطقة وادي الرافدين لأول مرة في السُّليمانية في كردستان العراق في الفترة من 6-8 نيسان (أبريل) 2019. جمع المنتدى ممثلين عن المجتمع المدني من جميع أنحاء المنطقة لمناقشة التحديات الرئيسية على طول نهريّ دجلة والفرات، وسعى إلى تعزيز المياه كأداةٍ من أجل السلام الدائم.

كان يوم الثاني من أبريل من عام 2019 يوماً تاريخياً لسد دوكان في كردستان العراق، إذ أنه للمرة الثانية فحسب خلال 64 عاماً من تشغيله، تم استخدام قنوات الطوارىء لتصريف فائض المياه في الخزان لإسالة المياه الفائضة إلى نهر الزاب الصغير وتخفيف الضغط على السد. كان هذا ضرورياً بعد فصل شتاءٍ غزير الأمطار بشكلٍ استثنائي وفتراتٍ طويلة من الهطول المطري في سلاسل الجبال على طول الحدود بين كردستان العراق وإيران خلال الأشهر الماضية. وفي نهاية المطاف، ستنتهي المياه في نهر دجلة، حيث يعتبر الزاب الصغير أحد الروافد الرئيسية له. ومع ذلك، لم تحل الأمطار الإضافية أكثر تحديات المياه إلحاحاً في حوض دجلة- الفرات المشترك. وعلى الرغم من أن كمياتٍ كبيرة من المياه الفائضة غمرت المروج والمنازل والشوارع على طول منطقة الزاب الأصغر أسفل سد دوكان، إلا أن منتدى المياه في منطقة وادي الرافدين عُقد في السليمانية على بعد 65 كيلومتراً جنوباً.

استهل المنتدى، الذي عُقد في الفترة من 6-8 أبريل 2019 في جامعة السليمانية، بمعالجة بعض هذه التحديات التي تتم مواجهتها في القرن الحادي والعشرين وتعزيز المياه كأداةٍ لتحقيق سلامٍ دائم على طول نهر دجلة والفرات. تم تنظيمه من قبل منظمات المجتمع المدني بقيادة حملة Save the Tigris (أنقذوا دجلة) لتوفير نافذةٍ مفتوحة للنقاش بين المشاركين من دول المُتشاطئة الأربعة، تركيا وسوريا والعراق وإيران وكذلك من خارج المنطقة. كان هناك ثلاثة مجالات اهتمام في محور المناقشات، نوجزها لكم أدناه.

وادي الرافدين
نهر الزاب، السُّليمانية، العراق. المصدر: جوليان شيلينجر

المشاركة العامة في إدارة المياه

تم تسليط الضوء على قلة المشاركة العامة في عمليات صنع القرار كأحد الأسباب الرئيسية لسوء إدارة الموارد المائية في حوض دجلة- الفرات. تشمل التحديات التي تواجه المشاركة العامة الافتقار العام إلى الشفافية وضعف المساءلة واستبعاد أصحاب المصلحة الرئيسيين.

في حين شهدت العقود الماضية زيادةً قوية في نشاط المجتمع المدني، إلا أن القيود المتشدّدة على مشاركة منظمات المجتمع المدني في صنع القرار عبر الحوض لا تزال تشكل عقبةً رئيسية أمام الإدارة المستدامة والشاملة للمياه. هذا هو الحال بشكلٍ خاص في سياق مشاريع السدود الضخمة في جميع بلدان المُتشاطئة.

تأثير السدود والإدارة العابرة للحدود

منذ خمسينيات القرن الماضي، أعاد التطوير المكثّف للبُنية التحتية على طول نهريّ دجلة والفرات وروافدهما، إلى حدٍ كبير، تشكيل الحوض في جميع بلدان المُتشاطئة. تم بناء السدود المتوسطة والكبيرة للسيطرة على الفيضانات، ولتغذية مخططات تحويل مجرى المياه والري وإنتاج الطاقة الكهرومائية. سمح ذلك بسيطرةٍ غير مسبوقة على تدفقات نهريّ دجلة والفرات ومكنّ من توسيع الزراعة المروية في الحوض بأكمله.

ومع ذلك، فإن تطوير البنية التحتية المستمر قد تسبب في خسائر، حيث تمّ تهجير السكان المحليين وغمرت المياه المواقع الأثرية حيث تمتلىء الخزانات خلف السدود الجديدة. تدهورت النظم البيئية التي تعتمد على الطوفان المنتظم من فيضانات الربيع بسبب أنظمة السيطرة على التدفقات، مما أثر بشكلٍ خاص على الأهوار في جنوب الحوض. وفي ظل عدم وجود اتفاقاتٍ شاملة على مستوى الحوض بين الدول المُتشاطئة، أصبحت السدود أدواتٍ محتملة لممارسة السلطة السياسية على السكان في مناطق مصبات الأنهار.

سد دوكان
المشاركون في المنتدى في رحلة إلى سد دوكان. (المصدر: Save Tigris / Facebook)

صحة النظام البيئي وخدمات النظام البيئي

يوفر نظام دجلة -الفرات العديد من خدمات النظام البيئي التي تعتبر حيويةً لصحة الإنسان وازدهاره. من بينها، ضبط المناخ الإقليمي، وتوفير إمدادات المياه لكلٍ من البشر والبيئة ، وتوفير المساحات الجيدة للاستجمام والسياحة. تعتبر خدمات النظام البيئي المتعلقة بالزراعة وصيد السمك ذات أهمية خاصة في المناطق الريفية حيث يعتمد بعض السكان على زراعة الكفاف.

هذه الخدمات، إلى جانب التنوع البيولوجي الغني للحوض، أصبحت مُهددةٌ بسبب تدهور صحة النظام البيئي. يعدّ التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي غير المُعالجة ،والتي ترتفع فيها معدلات البكتيريا والمُغذّيات، و الأسمدة والمبيدات الموجودة في المياه السطحية المستخدمة للزراعة ،من المشاكل الرئيسية التي تواجه صحة النظام البيئي. كما تزيد النفايات الصلبة، وخاصة البلاستيك، من تلوث مصادر المياه والبيئة. علاوةً على ذلك، تساهم ممارسات إدارة المياه غير المستدامة وتغير المناخ في زيادة تدهور جودة المياه.

آفاق المستقبل

بعد ثلاثة أيامٍ من المناقشات العامة وورش العمل، أصدر منتدى المياه في منطقة وادي الرافدين بياناً بعنوان “المياه في مهب الخطر في منطقة وادي الرافدين.” يعتمد البيان على القيمة الثقافية والبيئية لنهريّ دجلة والفرات والصراعات المستمرة لمنظمات المجتمع المدني، التي حضر الكثير منها هذا الحدث، لحماية المسطحات المائية الإقليمية والدفاع عن الحق في الماء لجميع أشكال الحياة في منطقة وادي الرافدين- وهي المهمة التي يشير إليها البيان بـ”الواجب المدني بالغ الأهمية.” وهكذا، يُدين الموقعون القرارات الأحادية الجانب لإدارة المياه وتطوير البنية التحتية على طول الأنهار والسياسات الرامية إلى خصخصة المياه، فضلاً عن قطع المياه عن بلدان أو مجتمعات المصب، وتدمير المواقع التاريخية ومراكز نشاط التنوع البيولوجيّ بسبب بناء السّدود.

يتضمن البيان أيضاً مجموعة واسعة من التوصيات لكلٍ من الحكومات الوطنية والمحلية، والمنظمات الدولية والمجتمع المدني فيما يتعلق بالتحديات الثلاثة المذكورة أعلاه. ويدعو إلى فرض تشريعاتٍ تعزز المشاركة العامة وحماية البيئة من قبل جميع البلدان في الحوض، فضلاً عن إنفاذ القوانين الحالية على نحوٍ أفضل. وإلى جانب المشاركة العامة، تم التأكيد على الحاجة إلى الشفافية فيما يتعلق بعمليات صنع القرار، لا سيما حول تخطيط وتبرير مشاريع السدود الجديدة وبدائلها المحتملة. كما أن عدداً من التدابير المتعلقة بالتثقيف والتوعية العامة تُشكل التوصيات الأساسية التي تقترحها منظمات المجتمع المدني فيما يتعلق بأنشطتها.

كما وأكدّ منظموا منتدى المياه في منطقة وادي الرافدين، فيما يتعلق بآفاق المستقبل، على الحاجة إلى تعاونٍ دولي مستمر بين منظمات المجتمع المدني، لا سيما في ظل انعدام النجاحات الملحوظة فيما يتعلق بالمحادثات الوزارية على مستوى الحوض. ومن المتوقع أن يثمر تبادل الخبرات فيما بين بلدان الجنوب مع المنظمات العاملة في مناطق أخرى، مثل أمريكا الجنوبية وإفريقيا، عن رؤى جديدة وأفضل الممارسات من مناطق في وضعٍ مشابه. ومن هذا المنطلق، من المخطط عقد نسخة ثانية من المنتدى خلال السنوات القليلة المقبلة في ديار بكر- تركيا.