قد أظهرت وزارة الموارد المائية تفهماً واضحاً لتحديات المياه التي تواجه العراق وتبنت إستراتيجيةً للمساعدة في التخفيف من ندرة المياه في المستقبل. وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الأزمات تهدد بدفع البلاد نحو مزيدٍ من التدهور، بما في ذلك البنية التحتية البالية، ونظم الزراعة والري التي عفا عليها الزمن، والنقص في الميزانية، وعدم الاستقرار السياسي، والمشاريع التنموية عن المنبع، والافتقار إلى التعاون في مجال المياه العابرة للحدود. وتتفاقم هذه الأزمات بسبب آثار تغير المناخ، والتي بدأت بالفعل تُلقي بظلالها على الوصول إلى المياه في المنطقة.
باختصار، لا يستطيع العراق الانتظار لإدارة موارده المائية على نحوٍ أفضل، إذ باتت اليوم الحاجة المُلّحة للعمل لإصلاح قطاع المياه واضحة بشكل صارخ خلال الأزمة الصحية في البصرة عام 2018، والتي نجمت عن انخفاض توافر المياه وسوء إدارة المياه، وأثناء جائحة فيروس كورونا، عندما كانت ممارسات النظافة العامة جزءاَ لا يتجزأ وحجر أساسٍ للحد من انتشار الفيروس. وعليه، فيمكن أن تؤدي التغييرات المختلفة في السياسة إلى تحسين إدارة موارد المياه خلال هذه الفترة الانتقالية، بما في ذلك تحفيز الكفاءة وإعادة هيكلة سياسات التخزين وآليات التخصيص. كما يتعين على الحكومة بذل قصارى جهدها، بأسرعٍ ما يمكن، لحماية أغلى الموارد الطبيعية في البلاد.
عوامل الخطر والعقبات
تتمثل إحدى العقبات الرئيسية أمام الإدارة الاستراتيجية للموارد المائية بالتنسيق بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، إذ تعدّ قدرة الإدارة المركزية على الاستمرار في إدارة الموارد المائية بالاشتراك مع حكومة كردستان أمراً أساسياً؛ ذلك أنّ الإدارة الفعّالة والمتقنة لأكبر الخزانات التي تقع في الشمال هي السبيل الوحيد لتوفير المستوى المطلوب من التنمية للبلاد بأكملها. وبكل تأكيد، فسيكون الفشل في الحفاظ على التنسيق في المستقبل سبباُ في توتراتٍ اجتماعية واقتصادية جمّة، فضلاً عن الخسارة الفادحة في الفرص لكلا الجانبين.
علاوةً على ذلك، ما تزال قابلية تضرر العراق بالمشاريع التنموية عند المنبع في كلٍ من تركيا وإيران وسوريا تُشكل عامل خطر. وفي حال لم تحقق دول المنبع المكاسب المتوقعة في القطاع الزراعي على مدى الأعوام العشرين المقبلة، فمن المرجح أن يؤدي هذا إلى المزيد من الانخفاض في كمية وجودة المياه المتوقع نقلها إلى العراق- إلى جانب الضرر الاقتصادي والاجتماعي الذي يُصاحب ذلك. وبالتالي، فينبغي أن يكون اكتساب فهم أفضل لخطط إدارة المياه والتقدم المحرز في دول المشاطئة الأخرى، والتوصل إلى استراتيجية تفاوض شاملة بشأن المياه، على رأس قائمة أولويات الحكومة.
وفي الوقت نفسه، ينبغي على العراق زيادة كفاءته الزراعية، وإعادة تأهيل شبكة الري وتصريف المياه وجمعها، وإصلاح مختلف عناصر البنية التحتية للمياه. فقد تسببت الحرب ضد داعش في أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية للمياه والزراعة، وستكون هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لتمويل إعادة الإعمار وإعادة توفير خدمات المياه وأنظمة الري إلى حالتها السابقة.
ولا بد أن نذكر هنا أن استمرار عدم الاستقرار السياسي والاستياء العام في العراق يواصل خلق وضع مضطرب يمكن أن تؤدي فيه أزمات المياه المحلية إلى اندلاع احتجاجات جديدة ضد الحكومة، فضلاً عن الخلافات المائية بين الجماعات المختلفة والتي قد تتصاعد في غياب آلياتٍ فعّالة لحل النزاعات.
الاستراتيجية طويلة الأجل
كحال العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبدو مستقبل توافر المياه العذبة في العراق قاتماً في ظل عجزٍ مائي يقدر بنحو 20 مليار متر مكعب في السنة بحلول عام 2030. [1] ففي استراتيجيتها لموارد المياه والأراضي للفترة ما بين 2015-2035، قد أعلنت الحكومة التزامها بإيجاد موارد إضافية للمياه الجوفية من أجل زيادة إجمالي إمدادات المياه المتاحة، فضلاً عن إصلاح قطاع الزراعة للحد من الاستهلاك.
ومع ذلك، فلن يكون بمقدور العراق تحقيق الأمن المائي من تلقاء نفسه، إذ ينبغي أن يكون السعي لإبرام اتفاقاتٍ مع تركيا وسوريا وإيران، فيما يتعلق بجودة وكمية المياه الواردة إلى العراق من نهري دجلة والفرات، على رأس قائمة الأولويات. وبالإضافة لذلك، وبما أنّ الاحتياجات المائية في العراق ستتجاوز قريباً المياه المتوفرة، تبرز الحاجة إلى وضع خطة مستقبلية للاستفادة بالشكل الأمثل من إمدادات المياه المتوقعة في البلاد، بما في ذلك تحسين تشغيل الخزانات وزيادة كفاءة استهلاك المياه.
كما أن التوسع في تدشين المزيد من مرافق معالجة المياه وتحسين وتوسيع شبكة أنابيب المياه التي تخدم مستخدمي المياه في قطاعي البلديات والصناعة في العراق ذو أولوية كبيرة. وكحدٍ أدنى، فيجب أن تلبي معالجة مياه الشرب معايير مياه الشرب المنصوص عليها في اللائحة رقم 417 لعام 1974، لمواصفات مياه الشرب القياسية في العراق، المعدلة عام 2000.
وعلاوةً على ذلك، يعتبر تغيير الطريقة التي تتم بها إدارة التصريف الزراعي من الأمور ذات الأهمية الأساسية للسيطرة على الملوحة في الأنهار في العراق، فمن الآن وحتى عام 2035، فإنه ينبغي ربط مشاريع الري تدريجياً بقنوات التصريف التي تنقل التدفقات المسترجعة من الزراعة، وعزل الصرف الزراعي الملوث، بشكلٍ فعّال، عن إمدادات المياه العذبة. ومن المتوقع أن تحسّن هذه الإجراءات جود المياه في العراق إلى حدٍ كبير.[2]
[1] Alwash, A, Istephanian, H, Tollast, R and Al-Shibaany, Z Y (eds), 2018. Towards Sustainable Water Resources Management in Iraq. Iraq Energy Institute.
[2] Ministry of Water Resources of Iraq, 2014. Strategy for Water and Land Resources of Iraq 2015-2035.