الاستهلاك غير الفعّال للمياه
بالإضافة إلى القدرة المحدودة لمعالجة المياه، تحصل خسائر كبيرة في المياه المعالجة عبر شبكات التوزيع بسبب التسريب وقِدم شبكة الأنابيب والضخ غير القانوني للمياه. وتعاني بعض المحافظات من خسائر تصل نسبتها إلى 40% في مياه الشرب المعالجة على طول شبكة توزيع المياه، كما هو موضح في الشكل (1). [1]
كما أنّ هناك خسائر كبيرة في المياه بسبب التبخر، فعلى سبيل المثال، فإن بحيرة الثرثار لوحدها مسؤولة حالياً عن أكثر من 50% من الفاقد المائي بسبب التبخر في خزانات العراق. وفي المستقبل، فمن المرجح أن يتم استخدام بحيرة الثرثار لأغراض السيطرة على الفيضانات فحسب من أجل الحفاظ بشكلٍ أفضل على الموارد المائية. [3]
العجز المالي في قطاع المياه
قد أدى انخفاض تعرفة المياه، وارتفاع مستوى المياه غير المدرة للدخل، والقيود الكبيرة على الميزانية الحكومية المخصصة لوزارة الموارد المائية، إلى عجز مالي حاد في قطاع المياه، لا سيما في مديريات المياه البلدية. وقد أدى ذلك إلى تلف البنية التحتية الحالية للمياه، مما أدى إلى زيادة الفاقد المائي والمياه غير المدرة للدخل في جميع أنحاء العراق. وعلاوةً على ذلك، فقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تفاقم العجز في مديريات المياه البلدية، حيث أصدرت الحكومة العراقية مرسوماً بتعليق إصدار فواتير المياه في مارس 2020 استجابةً للأزمة الصحية المستمرة. [4]
تغير المناخ
إن تغير المناخ يؤثر بالفعل على العراق، إذ تشهد البلاد ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة حدوث الموجات الحارة، وهطولات مطرية غزيرة والعواصف الترابية، فضلاً عن التغيرات في أنماط هطول الأمطار في أجزاء مختلفة من البلاد. وتقدر التوقعات لعام 2050 حدوث زيادةٍ في متوسط درجة الحرارة السنوية بمقدار 2 درجة مئوية وانخفاض متوسط هطول الأمطار السنوي بنسبة 9%، مع انخفاض بنسبة 17% لأشهر الشتاء (ديسمبر ويناير وفبراير).[5]
وسيكون لهذه التغييرات تأثير كبير على موارد المياه، بما في ذلك انخفاض متوقع بنسبة 22% في جريان الأنهار في جميع أنحاء البلاد بحلول عام 2050 وتسرّب المياه المالحة إلى خزانات المياه الجوفية. ومن المتوقع أن تؤدي الزيادة في موجات هطول الأمطار الغزيرة إلى زيادة في حدوث الفيضانات، بما في ذلك الفيضانات المفاجئة.[6]
كما من المتوقع أن تنخفض الإنتاجية الزراعية بسبب نقص الأمطار ومياه الري والتصحر وملوحة التربة، مما سيساهم في انعدام الأمن الغذائي وفقدان سبل العيش الزراعية وتشجيع الهجرة نحو المناطق الحضرية. ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة الكهرومائية بسبب انخفاض مستويات المياه في الخزانات، حيث تُشير الدراسات إلى انخفاض بنسبة 5-10% في توليد الطاقة الكهرومائية لسد الموصل بحلول عام 2050. ومن المتوقع أيضاً حدوث تأثيرات مختلفة على الصحة العامة، بما في ذلك الآثار ذات الصلة المباشرة بارتفاع درجة الحرارة والآثار المرتبطة بصعوبة الوصول إلى الماء والغذاء والكهرباء.[7]
لذلك فإن التكيف مع تغير المناخ أمر بالغ الأهمية بالنسبة للعراق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن البلاد قد انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في عام 2009، ووقعت اتفاقية باريس لعام 2015 وصدقت عليها في ديسمبر 2021، ووضعت سياساتٍ تتضمن أهدافاً للتكيف. ومع ذلك، فقد أعاق عدم الاستقرار السياسي المزيد من التطوير والتنفيذ العملي لهذه السياسات.[8]
النزاعات الداخلية حول المياه
إن الخلافات المائية في العراق تتمحور حول الاستخدامات المختلفة للمياه وتلوث المياه وتوزيع المياه بين المحافظات. وعلى غرار أحواض الأنهار المشتركة دولياً، تتمتع المحافظات الأقرب إلى المنبع على طول الأنهار الرئيسية بموقع متميز مقارنة بالمحافظات الواقعة في اتجاه المصب. وعليه، فقد أدت زيادة تخزين المياه الناتجة عن تطوير سدود إضافية في شمال العراق إلى تفاقم انعدام الأمن المائي في المحافظات الجنوبية، مما زاد من مخاطر التوترات بين شطري البلاد. وعليه، قد تزداد احتمالية نشوب نزاع بسبب حقيقة أن مجموعات عرقية مختلفة تسكن أجزاء مختلفة من البلاد.[9]
وعلى وجه الخصوص، تعدّ صناعة النفط نقطة الخلاف، إذ يتطلب إنتاج النفط كميات كبيرة من المياه، بينما يعتبر تصريف المياه العادمة من الصناعة مصدراً رئيسياً للتلوث الذي يمكن أن يؤثر سلباً على مستخدمي المياه أسفل مجرى النهر وعلى البيئة بشكلٍ عام.[10]
إن منصات الحوار وآليات حل النزاعات الفعالة تعتبر أساسية للحد من مخاطر النزاعات المائية الداخلية، حيث يتم حالياً حل معظم النزاعات بين المحافظات من خلال الإجراءات القانونية أو من خلال الوساطة من قبل الحكومة الفيدرالية. ومع ذلك، فلا تزال المظالم قائمة، لا سيما على المستوى المحلي، ولربما يتم إضعاف آليات التسوية القائمة حالياً بسبب عدم الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى ذلك، تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية محدثة لإدارة المياه، والتي تأخذ في الاعتبار الاحتياجات المتنوعة لأجزاء مختلفة من البلاد، لدعم عمليات الوساطة المستقبلية.[11]
إنشاء السدود في حوض نهري دجلة والفرات
قد بدأ إنشاء السدود على نطاق واسع في حوض نهري دجلة والفرات في الستينيات. وتشمل السدود الرئيسية على طول نهر الفرات سد أتاتورك في تركيا، الذي افتتح في عام 1992 (إجمالي سعة الخزان 48,7 مليار متر مكعب)، وسد الطبقة في سوريا، الذي افتتح عام 1973 (بسعة إجمالية قدرها 11,7 مليار متر مكعب)، وسد حديثة في العراق، الذي افتتح عام 1987 (بسعة إجمالية قدرها 8,3 مليار متر مكعب). أما في حوض دجلة، فأهم السدود على طول نهر دجلة نفسه هو سد إليسو في تركيا، الذي تم افتتاحه في عام 2018 (إجمالي السعة 10,4 مليار متر مكعب)، وسد الموصل في العراق، الذي افتتح عام 1986 (بسعة إجمالية قدرها 11,1 مليار متر مكعب). وتم افتتاح سد دوكان في عام 1959 (بسعة إجمالية قدرها 7 مليار متر مكعب) ويقع على الزاب الصغير في إقليم كردستان العراق.
باعتباره دولة مصب، فإن العراق يتأثر بشكل كبير ببناء السدود وتشغيلها في دول المنبع، حيث تشير التقديرات إلى أنه منذ عام 1980، قد انخفض تدفق نهري دجلة والفرات إلى العراق بنسبة 30-40%، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تطورات البنية التحتية عند المنبع.[12]
وقد أدى التطوير المكثف للسدود الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء الحوض إلى خلافات بين وداخل بلدان المشاطئة، أي كل من تركيا وسوريا والعراق وإيران. ومع استمرار البلدان في بناء المزيد من السدود من جانب واحد داخل أراضيها لضمان الوصول إلى المياه في ظل مناخ متغير، وفي غياب اتفاقيات دولية قوية وإدارة المياه العابرة للحدود، فمن المرجح أن تتفاقم هذه النزاعات.[13]
إرث النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي
قد كان لعقود من الحرب والعقوبات وعدم الاستقرار السياسي آثار عميقة على إدارة المياه في العراق، مما أدى إلى تحويل نظامه المائي من أفضل نظام في الشرق الأوسط إلى واحدٍ من الأسوأ. فقد أدى الضرر المباشر للنزاع وعدم كفاءة الإصلاحات وعدم صيانة النظام إلى تدهور معظم البنية التحتية للمياه في العراق، مما أدى إلى تفاقم المشاكل المتعلقة بالتسرب من أنابيب المياه أو أنابيب الصرف الصحي والتوزيع غير الفعال لمياه الري.
وقد عانى قطاع تقديم خدمات المياه من عدم الحصول على المعدات الضرورية وقطع الغيار والمواد الكيماوية لمعالجة المياه بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالبنية التحتية المتدهورة. كما عانت مرافق المياه أيضاً من هجرة الأدمغة، حيث ترك العمال المهرة وظائفهم في القطاع العام في ظل انخفاض الأجور للحصول على وظائف مربحة في أماكن أخرى. ومع تدهور الاقتصاد الوطني وتحويل الأموال الحكومية للأغراض الأمنية، فقد عانت السلطات الحكومية والمرافق في قطاع المياه من نقصٍ حاد في التمويل طوال النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.[14]
[1] Ministry of Planning/Central Organization for Statistics and Information Technology (COSIT), Ministry of Municipalities and Public Works, Ministry of Environment, Baghdad Municipality, Ministry of Planning/Statistics Office of the Kurdistan Region, Ministry of Municipalities of the Kurdistan Region, Ministry of Environment of the Kurdistan Region, in cooperation with UNICEF, 2011. Environmental Survey in Iraq 2010: Water-Sanitation-Municipal Services.
[2] Ministry of Water Resources of Iraq, 2014. Strategy for Water and Land Resources of Iraq 2015-2035.
[3] Ibid.
[4] The World Bank, 2021. Iraq Economic Monitor: The Slippery Road to Economic Recovery.
[5] United States Agency for International Development, 2017. Climate Change Risk Profile: Iraq; Red Cross Red Crescent Climate Centre, 2021. Climate Fact Sheet: Iraq.
[6] Ibid.
[7] Ibid.
[8] Ibid.
[9] Kool, D, Birkman, L and Torossian, B, 2020. Interprovincial Water Challenges in Iraq: Initial Analysis of an Urgent and Under-researched Crisis. Water, Peace and Security Partnership.
[10] Ibid.
[11] Ibid.
[12] Lossow, T von et al., 2022. Action Needed: Three Priorities for Iraq’s Water Sector. Water, Peace and Security Partnership.
[13] Al-Aloosy, M, 2021. ‘Iraq’s water crisis: An existential but unheeded threat’. Published by The Arab Gulf States Institute in Washington on 27 August 2021; Lossow, T von et al., 2022. Action Needed: Three Priorities for Iraq’s Water Sector. Water, Peace and Security Partnership.
[14] Sadoff, C W, Borgomeo, E and Waal, D de, 2017. Turbulent Waters: Pursuing Water Security in Fragile Contexts. The World Bank; Zeitoun, M, Elaydi, H, Dross, J-P, Talhami, M, Pinho-Oliveira, E de and Cordoba, J, 2017. ‘Urban warfare ecology: A study of water supply in Basrah’. International Journal of Urban and Regional Research 41(6): 904-925.