مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

جودة المياه في العراق

نهر دجلة - جودة المياه في العراق
صورة جوية التقطت في 14 أكتوبر 2022، تُظهر منظرًا لمشروع مياه الكوت، على ضفة نهر دجلة في مدينة جنوب العراق. المصدر: Ali NAJAFI / AFP

المياه السطحية

حالياً، يواجه العراق نوعين من القضايا المتعلقة بجودة المياه، الأول هو الملوحة، والآخر هو تركيز الملوثات في المياه الناجم عن الأنشطة البلدية والصناعية والزراعية التي تطرح تدفقاتٍ مسترجعة إلى مصادر المياه العذبة. كما تؤدي التنمية الزراعية في جميع أنحاء المستجمعات المائية لنهري دجلة والفرات، داخل وخارج العراق على حد سواء، في زيادة مطردة في ملوحة مياه كلٍ من نهر دجلة والفرات والأنهار الأخرى في العراق. وتساهم التنمية الاقتصادية والنمو السكاني في زيادة أعباء مختلف الملوثات، كما يتفاقم التدهور في جودة المياه بسبب ظواهر الجفاف والتي تعتبر أيضاً عاملاً رئيسياً يُسهم في تصحر الأراضي الزراعية.

الملوحة

تزداد ملوحة مياه الأنهار سوءاً في العراق مع تدفق المياه جنوباً (الخريطة 1)، فالملوحة على طول نهر الفرات أعلى مما هي على طول نهر دجلة وروافده بسبب السمات الجيولوجية المحلية، وإدارة الأراضي، والري الزراعي، وممارسات تصريف المياه في مستجمعات نهر الفرات. كما يعاني شط العرب من أعلى نسب ملوحة بسبب التقاء الأنهار وقنوات الصرف الصحي ذات الملوحة العالية به، وانخفاض كميات تدفق المياه، وتأثير المد والجزر من الخليج، مما يؤثر على مناطق المصب في البصرة. [1] وإن إجمالي المواد الصلبة الذائبة يزداد بما يقرب الأربعة أضعاف على امتداد نهر الفرات بين حصيبة والناصرية، وبنحو ستة أضعاف على طول نهر دجلة بين سد الموصل والقرنة، وفقاً لمتوسط البيانات الشهري حول جودة المياه المتاحة من قِبل وزارة البيئة في الفترة ما بين 2004 إلى 2011.

المياه الجوفية في العراق - جودة المياه في العراق
الخريطة (1): ملوحة المياه الجوفية في العراق. [10]

الملوثات الأخرى

تنتشر الأمراض المنقولة عن طريق المياه على نطاقٍ واسع بسبب شرب المياه الملوثة. وتشير التقارير الواردة من وزارة البيئة لعام 2009 إلى أن التلوث البكتريولوجي في إمدادات المياه يتفاوت ما بين المحافظات، إذ يتراوح ما بين 2,5% إلى 30%، بمعدل قدره 16%، بما يفوق المحددات والمعايير الرسمية لمياه الشرب في العراق والمبادئ التوجيهية والدلائل الإرشادية لجودة مياه الشرب لمنظمة الصحة العالمية.[2] ومع ذلك، فإن قواعد البيانات بشأن الملوثات الأخرى، بما في ذلك المواد العضوية وغير العضوية، ومسببات الأمراض والبكتيريا، محدودة في العراق، مما يجعل من الصعب وصف المصادر ومدى التلوث بشكلٍ كامل، وتصور التغييرات التي يمكن أن تطرأ في المستقبل.

بالإضافة إلى الملوثات الذائبة والمعلقة، تعاني الممرات المائية في العراق من مستوياتٍ عالية من التلوث الناجم عن النفايات الصلبة، بما في ذلك النفايات المنزلية والصناعية وكذلك الأنقاض من الأبنية المهدمة في المناطق المتضررة من النزاعات الأخيرة.[3]

المياه الجوفية

تتفاوت جودة المياه الجوفية في أنحاء البلاد، إذ توجد طبقات المياه الجوفية الأعلى إنتاجاً والأفضل جودة والتي يمكن الوصول إليها بسهولة في شمال شرقي البلاد. وتمتاز هذه المنطقة بارتفاع مستوى هطول الأمطار في حين أن تركيز إجمالي المواد الصلبة الذائبة في المياه الجوفية منخفض جداً بشكلٍ عام، بينما تزداد ملوحة المياه الجوفية في المناطق الوسطى والمناطق ذات التضاريس المنخفضة. وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة مثل العراق، يعتمد التركيب الكيميائي للمياه الجوفية في الطبقة الجوفية الضحلة على جودة مياه إعادة التغذية وعمق منسوب المياه الجوفية. تزداد تراكيز الصوديوم والكلوريد بشكلٍ عام مع ازدياد العمق، وفي المناطق العميقة جداً، تنتشر المياه شديدة الملوحة بتراكيز من الصوديوم والكالسيوم والكلوريد، إذ أن هذه التغييرات الكيميائية في تركيبة المياه الجوفية مصحوبة بزيادةٍ في الملوحة بحسب العمق (الخريطة 2). وعلى طول ساحل الخليج، قد أدى السحب الكبير للمياه الجوفية إلى تسرب مياه البحر إلى الخزان الجوفي، مما أدى إلى زيادة ملوحة موارد المياه الجوفية. [4]

المياه الجوفية في العراق - جودة المياه في العراق
الخريطة (2): عمق المياه الجوفية في المناطق الهيدروجيولوجية في العراق. المصدر: Fanack Water

المخاطر البيئية والصحية

قد كانت عقود من الحرب والعقوبات وما صاحبها من انهيار البُنية التحتية الأساسية كارثية على البيئة في العراق. فقد تسبب الانخفاض في تدفقات المجاري المائية، والملوثات في نظم المياه العذبة، وتلوث وتراجع مناسيب المياه الجوفية، والأنظمة البيئية المتدهورة، وفقدان الموائل الطبيعية وانخفاض التنوع الحيوي، بضررٍ في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الآثار الشديدة على أهوار العراق. [5] وتشير التقديرات إلى أن تكلفة التدهور البيئي يتراوح ما بين 4,9% و8,0% من الناتج القومي الإجمالي السنوي.[6]

ومن المسلم به على نطاقٍ واسع أن هناك حاجة مُلحة لاعتماد تدابير سليمة للإدارة البيئية في العراق، وبخاصة فيما يتعلق بالمياه. ونتيجةً لذلك، فقد بُذلت طوال العقد الماضي جهود لمعالجة القضايا البيئية، بما في ذلك إقرار التشريعات البيئية الرئيسية مثل القانون رقم 27 لعام 2009 بشأن حماية وتحسين البيئة، والذي جاء كتحديثٍ واستبدالٍ لقانونٍ مماثل من عام 1997. ومع ذلك، فإن إنفاذ أحكام القانون قد حقق نجاحاً متفاوتاً فحسب. ومن المحتمل أن جزءاً من التطبيق غير المتكافئ للقوانين البيئية يعود إلى الاضطرابات الإدارية في وزارة البيئة. ففي عام 2015، قد دُمجت الوزارة في وزارة الصحة، كجزءٍ من برنامج الإصلاح الشامل لرئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي. [7] ومع ذلك، فقد بدأ إجراء فصل الوزارتين مرة أخرى في أوائل عام 2022.[8]

قد أصبحت المخاطر الصحية المتعلقة بتلوث الموارد المائية أكثر وضوحاً في العراق على مدى العقود الماضية، إذ كانت محافظة البصرة، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات في شط العرب بالقرب من مدينة البصرة، بؤرةً ساخنة لمشاكل جودة المياه. وقد أدى الجمع بين انخفاض جريان النهر وارتفاع الملوحة وزيادة مستويات التلوث الزراعي والصناعي بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي في البصرة، مراراً وتكراراً، إلى أزمات صحية في المدينة. ففي صيف عام 2018، قد أُدخل أكثر من 100 ألف شخص إلى المستشفيات بسبب أمراض مرتبطة بجودة المياه، مما أثار احتجاجاتٍ واسعة النطاق ضد سوء إدارة الموارد المائية في البصرة.[9]

[1] Christen, E W and Salie, K A (eds), 2012. Managing Salinity in Iraq’s Agriculture: Current State, Causes and Impacts. Iraq Salinity Assessment: Report 1; Abdullah, A D et al., 2015. ‘Shatt al-Arab river system under escalating pressure: a preliminary exploration of the issues and options for mitigation’. International Journal of River Basin Management 13(2): 215-227.
[2] Ministry of Water Resources of Iraq, 2014. Strategy for Water and Land Resources of Iraq 2015-2035.
[3] WASH Cluster, 2020. Water Pollution Assessment of the Canals in Basrah City.
[4] United Nations Economic and Social Commission for Western Asia; German Federal Institute for Geosciences and Natural Resources, 2013. Inventory of Shared Water Resources in Western Asia.
[5] Fazaa, N A, Dunn, J C and Whittingham, M J, 2021. ‘Pollution threatens water quality in the Central Marshes of Southern Iraq’. Baghdad Science Journal 18(4) (Suppl.):1501-1513.
[6] Ministry of Environment of Iraq, 2013. National Environmental Strategy and Action Plan for Iraq 2013-2017.
[7] Reuters, 2015. ‘Iraq’s Abadi cuts 11 ministerial positions in reform push’. Published 16 August 2015.
[8] Shafaq News, 2022. ‘Iraqi government to split the Ministry of Health and Environment’. Published 23 January 2022.
[9] Al-Rubaie, A, Mason, M and Mehdi, Z, 2021. Failing Flows: Water Management in Southern Iraq. London School of Economics Middle East Centre, LSE Middle East Centre Paper Series 52; Human Rights Watch, 2019. Basra is Thirsty: Iraq’s Failure to Manage the Water Crisis.
[10] Krásný, J., Alsam, S. and Jassim, S. Z. (2008) ‘Hydrogeology’, in Jassim, S. Z. and Goff, J. C. (eds) Geology of Iraq, Prague, Dolin, pp. 251–287.