مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تحديات المياه في الأردن

وادي رم، الأردن - تحديات المياه في الأردن
الصورة 1: وادي رم، الأردن. (Credit : Ruben Vermeer)

تغير المناخ

يتوقع الخبراء أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في الصيف في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بين 2,2 درجة مئوية و2,5 درجة مئوية، والذي سيصاحبه انخفاض بنسبة 4% إلى 27% في الهطول المطري السنوي، مما سيزيد من خطر الجفاف. وعلاوةً على ذلك، فستؤدي زيادة التبخر وانخفاض رطوبة التربة إلى الحدّ من إعادة تغذية المياه السطحية والجوفية، [1] وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة الحاجة لري المحاصيل. ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة عدد الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف المطرية والعواصف الثلجية، والتي قد تُسفر عن حدوث الفيضانات، كما سيسبب تبايناً أكبر في درجات الحرارة القصوى السنوية.

وفي العقد الماضي، قد شهد الأردن سلسلةً من الأحداث المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، ففي عام 2018 على سبيل المثال، قد تسببت السيول المفاجئة في مقتل 21 شخصاً، بينهم 16 طالب مدرسة بالقرب من البحر الميت. وبشكلٍ عام، فقد تراجع هطول الأمطار في المملكة إلى حدٍ ما، ولكن عندما تُمطر يكون الهطول المطري بشدة أعلى. [2]

وفي ظل هذه العوامل، فستتأثر إمدادات المياه في الأردن بشكلٍ كبير، كما ستشمل الآثار الإضافية زيادة مخاطر انجراف التربة والفيضانات، وترسب الطمي في الأنهار والسدود والخزانات، وزيادة الملوحة، وتقلب إمدادات المياه من عام لآخر، وانخفاض تدفقات الأنهار الرئيسية مثل نهر الأردن (بنسبة تصل إلى 80%). وسيكون لكل هذه المخاطر آثاراُ اقتصادية وصحية وتأثيرات على الأمن المائي والغذائي.

ولمعالجة هذه الآثار، فقد صادق الأردن على الاتفاقيات الدولية الرئيسية المتعلقة بتغير المناخ، وتحديداً اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1993، وبروتوكول كيوتو في عام 2003، واتفاقية باريس في عام 2016. كما قد قدم ثلاثة تقارير بلاغات وطنية في الأعوام 1997 و2009 و2014، وخطة التكيف الوطنية للتغير المناخي في عام 2021، فضلاً عن تطوير التقرير المحدّث لفترة سنتين بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ للعامين 2018 و2021. ومن الجدير بالذكر أن وزارة البيئة هي المسؤولة عن تنسيق ملف تغير المناخ.[3]

القدرات المالية

إن محدودية القدرات المالية للأردن تعوّق إمكانية تنفيذ مشاريع كبرى، وبالتالي، فينبغي اتخاذ خيارات صعبة واستهداف المشاريع الهامة ذات التكلفة المنخفضة والفوائد المرتفعة في آنٍ معاً.

ويمكن أن تساعد زيادة التعريفات والضرائب في تمويل صيانة البُنية التحتية للمياه الحالية وتطوير مشاريع جديدة. ومع ذلك، فيعتبر هذا الخيار حساساً على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وربما لن تكون الزيادة الكبيرة في الأسعار مُجدية.

ويعتمد الأردن إلى حدٍ كبير على مصادر التمويل الخارجية (مثل المؤسسات الأجنبية الخاصة والمنظمات غير الحكومية والمساعدات الأجنبية والحكومات الأجنبية). ومع ذلك، فإن أولويات الممولين الأجانب قد لا تتماشى بالضرورة مع أهداف الحكومة.

نُدرة المياه: فهم المشكلة

منذ عقود، قد كافح الأردن لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على المياه. وقد سبق وناقشنا (في قسم البُنية التحتية للمياه وإدارة المياه) الجوانب المختلفة لإدارة الإمدادات. وإلى جانب ذلك، فإن هناك العديد من العوائق الأخرى التي تحول دون الإدارة الفعالة للمياه. وفي حين أن المناقشة الشاملة لهذه التحديات هي خارج نطاق هذا الملف، إلا أنه يتم تلخيص القضايا الرئيسية أدناه.

يُمثل تسرّب المياه وسرقتها والفاقد المائي مشكلةً كبيرة، إذ يُقدَّر فقدان ما بين 40% إلى 60% من إمدادات المياه بسبب التسرّب في الشبكة، وذلك اعتماداً على الموقع. وعليه، فإن العمليات الإدارية غير الفعالة والبنية التحتية البالية وقصور الصيانة تعدّ الأسباب الرئيسية لهذا الهدر الضخم. وتشمل القضايا الإدارية استهلاك المياه دون فواتير، وعمليات الاستخراج غير القانونية من النظام ومشاكل قراءة العدادات (مثل أخطاء القراءة/ عدم الدقة، وتعطل المعدات، والتوصيلات التي لا يتم قياسها). وفي بعض المناطق، فإن نقص الصيانة أو سوء جودة مواد الإصلاح، والعقوبات غير الرادعة للاستهلاك غير القانوني للمياه (عدم وجود أو تطبيق قانون فعال، حيث لا توجد غرامات أو غرامات صغيرة جداً) وقِلة الوعي العام و/أو المسؤولية الشخصية عن هدر المياه يلعب دوراً في هذا أيضاً.

ومع ذلك، فإن جغرافية البلاد أيضاً تشكل تحدياً لإمدادات المياه، إذ تقع موارد المياه الرئيسية في الأردن (الأنهار الرئيسية وخزانات المياه الجوفية) بشكلٍ عام على مسافة بعيدة عن المدن والمناطق الزراعية، مما يعني أنه يتوجب نقل المياه من المصدر إلى المستهلك، وهو ما يعني الاختلاف الكبير في الارتفاعات، حيث يعيش ما يقرب من 80% من السكان في المدن الواقعة في الجزء الشمالي من البلاد، على ارتفاعاتٍ أعلى بكثير من مصادر المياه السطحية الرئيسية. ونتيجةً لذلك، فقد اضطرت الحكومة الأردنية إلى الاستثمار في شبكة مياه واسعة ومكلفة، والتي تحتاج إلى صيانة وتحديث مستمرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن متطلبات الطاقة وتكلفة نقل المياه كبيرة أيضاً.

وعلاوةً على ذلك، فقد قدمت الأبحاث الحديثة فهماً أوضح للطرق المختلفة التي يُنظر بها إلى قضية ندرة المياه. وفي الواقع، فيمكن صياغة قضية ندرة المياه بطرق مختلفة، مما يعني منح الأولوية لبعض الحلول على حساب غيرها. ووفقاً لهذه الدراسة، فإنه يوجد خطابان رئيسيان حول ندرة المياه، وسبعة خطابات فرعية أو أسباب قد أكدها الخطابان بشكل أو بآخر.[4]

ويؤكد الخطاب الأول على الأسباب الأربعة التالية لندرة المياه: تغير المناخ، وانخفاض هطول الأمطار والجفاف في المنطقة، والنمو السكاني واللاجئين، والطبيعة العابرة للحدود لمعظم موارد المياه. وبالتالي، فإن الحل الذي اقترحه مؤيدو هذا الخطاب هو زيادة إمدادات المياه لتلبية الطلب المتزايد. وأن زيادة العرض ستحدث من خلال مهمة الدولة حول البُنية التحتية: بناء السدود وتحلية المياه والضخ واستخدام طبقات المياه الجوفية الأحفورية مثل الديسي.

في حين يركز الخطاب الثاني على الأسباب الرئيسية لندرة المياه وهي: المياه غير ذات العائد بسبب التسربات والخسائر المادية، والمياه غير ذات العائد بسبب التوصيلات والاستهلاكات والآبار غير القانونية، والقطاع الزراعي “غير المستدام”. وتركز الحلول المقترحة هنا على جانب إدارة الطلب: وهي إصلاح شبكة توزيع المياه لتقليل الفاقد المائي، ومراقبة التوصيلات والآبار غير القانونية وإغلاق هذه التوصيلات، وزيادة التعريفات؛ خاصة لاستخدام المياه في الزراعة، وإلغاء دعم المياه، وإدخال المزيد من الإرشادات حول جعل الاستخدام الزراعي لموارد المياه أكثر استدامة (مثل نوع المحاصيل، وتكنولوجيا الري، وما إلى ذلك).[5] وباختصار، تؤكد الدراسة على الحاجة إلى التفكير في كيفية فهمنا للمشكلة حتى نتمكن من تنفيذ حلول شاملة وفعالة.

حملات التوعية وتثقيف الجمهور

ما يزال رفع مستوى الوعي العام بأزمة المياه المتزايدة وإشراك المواطنين في الحفاظ على المياه يشكل تحدياً كبيراً للحكومة. ونظراً لأن ندرة المياه كانت جزءاً من الحياة لعدة عقود، فإن العديد من الأردنيين لا يدركون حجم المشكلة أو شدتها. وإن هذا هو سبب أهمية التثقيف – ولا يقتصر هذا على تثقيفهم حول طرق ترشيد المياه والحفاظ عليها، بل أيضاً لشرح سبب أهميته.

وقد أطلقت الحكومة بالإضافة إلى العديد من المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة مبادراتٍ في هذا الاتجاه، بما في ذلك الحملات الإعلامية، والكتب المدرسية التي تناقش أزمة المياه [6] وضرورة تغيير السلوك على المستوى المحلي، وتدريب وزيادة مشاركة القادة الدينيين. بوينما قد ركزت معظم المبادرات على استهلاك المياه على مستوى القطاع المنزلي، فإنه يمكن أن تستهدف الحملات المستقبلية أيضاً القطاع الزراعي.

وقد حددت الإستراتيجية الوطنية للمياه العديد من الأهداف والتدابير لزيادة الوعي بشح المياه وإشراك السكان في طرق التخفيف من تأثيرها. كما قد قام المانحون الدوليون الرئيسيون (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، والوكالة السويدية للتنمية الدولية، وغيرها) بتمويل وتطوير عدد من حملات التوعية التي استهدفت قطاعات مختلفة من المجتمع مثل المدارس والأسر والمجتمعات وكذلك المدن الكبرى.

فعلى سبيل المثال، في فبراير 2015، قد قدمت الحكومة الأمريكية منحة للحكومة الأردنية لإطلاق حملة توعية عامة في محافظة الزرقاء وذلك بالتزامن مع مشاريع المياه والصرف الصحي التي تشرف عليها وزارة المياه والري. وقد حملت الحملة شعار “بالماء نحيا- نبقيها لنبقى،” وذلك بهدف تشجيع الناس على توفير المياه في المنزل من خلال سلسلة من ممارسات ترشيد استهلاك المياه. وقد استهدفت حملة أخرى الزعماء الدينيين وشجعتهم على مناقشة أهمية عدم هدر المياه من خلال خطبهم الأسبوعية من منظور ديني.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إدخال مفاهيم وممارسات ندرة المياه وإدارة الطلب في المناهج الدراسية لتثقيف طلاّب المدارس حول الاحتياجات الحرجة والاستجابات العملية المتاحة. وكذلك قد تم استحداث التعليم الفني (السباكين) والجامعي (درجة الماجستير في إدارة الطلب على المياه).[7]