مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

سؤال وجواب مع د. أحمد اليعقوبي

مستشار مصادر المياه- سلطة المياه الفلسطينية – غزة

سيستغرق الأمر عقوداً لإصلاح الأضرار التي لحقت بحوض المياه الجوفية ولكن يتوجب أن نبذل قصارى جهدنا لتحسين الوضع الإنساني في غزة

أحمد اليعقوبي
إيصال مؤسسة أوكسفام للمياه في غزة، 31 يوليو 2014. الصورة: إياد البابا/ أوكسفام،

سؤال وجواب مع د. أحمد اليعقوبي
مستشار مصادر المياه- سلطة المياه الفلسطينية – غزة

تعتبر غزة واحدة من أكثر المناطق في العالم التي تعاني ندرة في المياه، إلا أنّ هذه الظاهرة حديثة نسبياً. ما هي الأسباب الرئيسية لهذا الشح في المياه وكيف تغيرت الأمور منذ عام 1948؟

“قبل عام 1948، لم يعاني قطاع غزة من ندرة في المياه، حيث بلغ عدد سكان القطاع آنذاك أقل من 100,000 نسمة، وكانت كمية المياه الجوفية المتوفرة من الحوض الساحلي، الذي يعتبر مصدر المياه الوحيد في القطاع، تفوق الطلب المحلي.

ولان بناء مساحات البناء كانت قليلة آنذاك، فان معظم مياه الأمطار كانت تتسرب مباشرة إلى طبقة المياه الجوفيه أدناه. وعلاوة على ذلك، ممارسة الزراعة كانت على نطاق ضيق، اي لم تكن هناك مشاكل تلوث بسبب استخدام المبيدات الحشرية أو عودة التدفقات من الري. كانت معظم المياه الجوفية عذبة وصالحة للشرب وكانت الشواطىء نظيفة.

وبعد عام 1948، ارتفع الطلب على المياه بشكل حاد بسبب تدفق اللاجئين إلى قطاع غزة. اليوم، يبلغ التعداد السكاني للقطاع حوالي 1,8 مليون نسمة، 70% منهم من اللاجئين. ارتفع الطلب على المياه بشكل كبير جداً وبشكل يفوق كثيراً كمية المياه المتوفرة فيحوض المياه الجوفية.

ويعاني حوض المياه الساحلي حالياً عجزاً يصل إلى حوالي 120 مليون متر مكعب في السنة، كما انخفض منسوب المياه الجوفية إلى 15-20 متر تحت سطح البحر، مما تسبب بتسرّب مياه البحر إلى طبقة المياه الجوفية. بالإضافة إلى ذلك، أدى عدم وجود محطات مناسبة لمعالجة مياه الصرف الصحي إلى تلوث المياه الجوفية حيث تتسرب مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً إلى المياه الجوفية. ونتيجة لذلك، أصبح ما نسبته 95% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب.”

ما الذي يمكن فعله لإصلاح الأضرار التي لحقت بحوض المياه الجوفية؟
هذه بعض الخطوات التي يجب اتخاذها للحدّ من حدوث المزيد من الضرر:


  • التقليل والحدّ من استخراج المياه من حوض المياه الجوفية لأقل من قدرة الحوض على التجدد، أي 55 مليون متر مكعب/ السنة.

  • توفير مصادر إضافية للمياه لسكان غزة. يوجد هنا عدة خيارات: تحلية مياه البحر، أو استيراد المياه من تركيا، أونقل المياه من الضفة الغربية، أوشراء المياه من اسرائيل.

  • تحسين مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، بحيث تلبيّ المياه المنتجة (المعالجة) معايير الجودة العالمية لإعادة استخدامها في القطاع الزراعي.

  • ضمان تغذية الخزان الجوفي إما بشكل اصطناعي بمياه الصرف الصحي المعالجة أو طبيعياً بواسطة مياه الأمطار.

  • وعلى مستوى الإدارة، يتوجب تحسين كفاءة مقدمي خدمات المياه، فضلاً عن الحدّ من هدر المياه في الشبكات بسبب التسريب ووصلات الأنابيب غير القانونية، بالإضافة إلى استرداد تكلفة توزيع المياه.


كيف أدت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة إلى تفاقم الوضع؟

“كان الوضع المائي في غزة، قبل العملية الاسرائيلية الأخيرة، حرجاً بالأساس. ولكن بعد عملية الجرف الصامد الاسرائيلية تعرضت العديد من الآبار، والخزانات، ومحطات الضخ، والمولدات، ومحطات المعالجة، للضرر أو التدمير. كما أثر نقص الوقود بشدة على محطات الضخ وغيرها من المرافق. وعلاوة على ذلك، تتسبب القيود الاسرائيلية المفروضة على استيراد قطع الغيار، بتأخير إصلاح العديد من المرافق المتضررة. وأخيراً، تساورنا شكوك أيضاً حول تلوث الحوض الساحلي بالإشعاعات بسبب استخدام اسرائيل اليورانيوم المنضب، حيث تجري في الوقت الحالي المزيد من الدراسات بهذا الشأن.”

من الواضح تأثُر كمية ونوعية المياه بشدة. ما هي الحلول على المدى القصير؟

“تخطط سلطة المياه الفلسطينية لبناء مجموعة من محطات التحلية، أو ما يُسمى محطات (STLV) لتحلية المياه، بسعة إجمالية مقدارها 13 مليون متر مكعب/ السنة بحلول عام 2016. ومن المفترض أن يتم مزج المياه التي تنتجها هذه المحطات مع المياه الجوفية المحلية وتوزيعها عبر شبكة أنابيب المياه إلى المناطق التي تعاني، بالتحديد، من سوء نوعية المياه. وقد تم بالفعل تأمين التمويل من الحكومة النمساوية والاتحاد الأوروبي والبنك الإسلامي للتنمية، حيث بدأ بالفعل تشغيل أولى هذه المحطات.

وعلى المدى الطويل، تتضمن الخطة إنشاء محطة تحلية للمياه على نطاق واسع، ومحطتين لمعالجة مياه الصرف الصحي. ما وضع هذه المشاريع؟

” البدء ببناء محطة تحلية المياه المركزية قد تاخر اكثر من مرة، على الرغم من تحديد موقع البناء وتخصيص الأرض. وقد التزم البنك الإسلامي للتنمية بتمويل نصف هذا المشروع البالغ قيمته 450 مليون دولار قبل أكثر من عام، شريطة أن يتم تأمين المبلغ المتبقي من الميزانية . وسبق وتلقينا تعهدات من جهات مانحة أخرى بمبالغ صغيرة ، ولكن بصفة عامة، التردد سيد الموقف بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة وتحديات إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة.

من جهة أخرى، لا تعمل محطة معالجة مياه الصرف الصحي الموجودة حالياً في غزة بشكلٍ جيد، حيث يتم تصريف 100,000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة جزئياً يومياً إلى مياه البحر بشكل مباشر. في الوقت الحالي، نعمل على إنشاء محطتين جديدتين: محطة معالجة مياه الصرف الصحي الشمالية، بسعة 36,000 متر مكعب يومياً، وهي قيد الإنشاء حالياً ومن المتوقع أن تكون جاهزة للتشغيل بحلول نهاية عام 2015. ومن المقرر أن تبدأ أعمال البناء على محطة غزة لمعالجة مياه الصرف الصحي (بسعة 120,000 متر مكعب/ يومياً) عام 2015. ومن المخطط أن تبدأ المحطة بالعمل بحلول عام 2017.”

كيف يؤثر عدم وجود إمدادات كهرباء منتظمة على إمدادات المياه؟

“هناك عجز واضح في توفير الطاقة في غزة، الأمر الذي له انعكاسات خطيرة على تشغيل البنية التحتية للمياه، وبخاصة أنه من المتوقع أن يزداد هذا العجز مع مرور الوقت. حالياً، يغطي إمداد الكهرباء 50% فقط من حاجات الطاقة لتشغيل محطات المياه، مما له تأثير مباشر على محطات الضخ ومعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه. ومن أجل توليد إمدادات طاقة إضافية، تخطط سلطة المياه الفلسطينية لتطوير مرافق تعمل بالطاقة الشمسية بالتوازي مع محطة تحلية المياه على نطاق واسع.”

بالإضافة إلى تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، ما هي الخيارات الأخرى التي تمتلكها غزة؟ هل زيادة كمية المياه التي يتم شراؤها من إسرائيل خيار واقعي؟

“يعتبر شراء المياه من إسرائيل أحد الخيارات التي وضعتها سلطة المياه الفلسطينية. نقوم حالياً بشراء 5 مليون متر مكعب/السنة بسعر 0,75 دولار للمتر المكعب الواحد. ووفقاً لاتفاقية تم إبرامها مع إسرائيل، سيتم نقل 5 مليون متر مكعب إضافية سنوياً إلى غزة ابتداء من عام 2015. وقد تم الانتهاء من البنية التحتية الضرورية لنقل هذه المياه بين غزة وإسرائيل، حيث أمسى البدء بعملية النقل الآن مسألة سياسية.  الخطة الحاليه تهدف إلى شراء ما مجموعه 21 مليون متر مكعب/السنة  من المياه من اسرائيل بحلول عام 2025.”

 أوضح تقرير ل الأمم المتحدة والذي صدر عام 2012 بعنوا “غزة بحلول عام 2020” أن غزة لن تصلح للعيش آنذاك؟ كيف تنظرون إلى مستقبل غزة؟ وما هي التدابير الواجب اتخذاها اليوم لضمان المستقبل بحلول عام 2020؟

“في حال لم تتم معالجة قضية المياه على وجه السرعة، فإن ما هو آتٍ كارثي. يحتاج سكان غزة الذين تشهد أعدادهم تزايداً مستمراً، إلى المياه، ولم يعد بمقدور الحوض الساحلي تلبية هذا الطلب المتزايد. سيستغرق الأمر عقوداً لإصلاح الأضرار التي لحقت بحوض المياه الجوفية ولكن يتوجب أن نبذل قصارى جهدنا لتحسين الوضع الإنساني في غزة.”