مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت المجهر: النقاط الرئيسية من مؤتمر المياه للأمم المتحدة 2023

مؤتمر المياه للأمم المتحدة 2023
الصورة 1: منظر لإشارة العمل المائي في مقر الأمم المتحدة خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023. المصدر: UN Photo/Mark Garten

إن المجتمع العالمي لا يحرز تقدماً كافياً في ضمان المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع، أو كما يُعرف أيضاً بالهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة. وبحسب موقع water.org، في عام 2021، قد كان ما نسبته 25% من سكان العالم يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي، مثل المراحيض النظيفة، وحوالي 10% لا يستطيعون الوصول إلى المياه الصالحة للشرب. وبالتالي، وسعياً للمساهمة في سد هذه الفجوة، فقد شاركت هولندا وطاجيكستان في استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023 – وهو المؤتمر الأول منذ ما يقرب من 50 عاماً – والذي عُقد في الفترة ما بين 22-24 مارس من العام الجاري.

وفي حين تعتبر هولندا رائدةً على مستوى العالم في قطاع المياه، فلربما شكل ضم جمهورية طاجيكستان السوفيتية السابقة مفاجأةً للبعض، بيد أن طاجيكستان تضم 1300 بحيرة و900 نهر طبيعي وجداول وتمثل حوالي 60% من موارد المياه في آسيا الوسطى.

وعليه، فقد اجتمع آلاف الممثلين من القطاعين العام والخاص وممثلي المجتمع المدني في نيويورك لتسريع وتيرة التقدم داخل مقر الأمم المتحدة وخارجه على حد سواء من خلال برنامج الفعاليات الجانبية التي أقيمت على هامش المؤتمر. فقد أسفر المؤتمر بشكلٍ أساسي عن اعتماد جدول أعمال المياه، وهو قائمة بالالتزامات والتعهدات والإجراءات الطوعية لتحقيق أهداف وغايات المياه العالمية، بما في ذلك الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.

إن تسريع عجلة تنمية المياه والصرف الصحي يعدّ ذو أهمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ووفقاً لمركز ستيمسون، يبلغ توافر المياه في المنطقة 1,200 متر مكعب للفرد، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 7,000 متر مكعب، ومن المتوقع أن تزداد ندرة المياه في العقود القادمة بسبب تغير المناخ والتصحر. وعلاوةً على ذلك، يفتقر حوالي 66 مليون شخص في المنطقة إلى مرافق الصرف الصحي الأساسية. وعليه، فقد نوقشت قضايا تحسين خدمات المياه والصرف الصحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عدة جلسات؛ أبرزها ما يلي:

من مؤتمر الأمم المتحدة للمياه إلى مؤتمر الأطراف COP 28 : تسريع العمل في مجال المياه والمناخ

تستضيف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكبر مؤتمر للمناخ في العالم للعام التالي على التوالي؛ ففي عام 2022، قد تولت مصر رئاسة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وفي عام 2023 هو دورتستضيفه الإمارات العربية المتحدة. وعليه، فقد نظمت رئاسة مؤتمر الأطراف بدورته الثامنة والعشرين هذه الجلسة في مقر الأمم المتحدة لتيسير الحوار والمناقشات حول العلاقة ما بين المياه والمناخ.

أقد دار الجلسة جيم دي بوربون دي بارم، مبعوث هولندا للمناخ، وضمت الجلسة مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في الإمارات العربية المتحدة، وهاني سويلم، وزير الموارد المائية والري المصري، ووزراء من هولندا وطاجيكستان.

وأشارت الوزيرة ا لمهيري في بيانها الافتتاحي إلى أن المناقشات حول المياه أصبحت مُلفتة للنظر بشكل متزايد، وعلى حد قولها، ففي السابق قد كان الماء العنصر الأقل تطرقاً إليه في العلاقة بين الماء والطاقة والغذاء، لكن هذا الأمر قد تغير، حيث استشهدت بيوم المياه الذي استهلت به مصر مؤتمر الأطراف بدورته السابعة والعشرين. ومن جهتها، فستتوسع رئاسة مؤتمر الأطراف بدورته الثامنة والعشرين في مناقشة هذا الأمر من خلال أول تقييم عالمي للمياه، والذي سينتهي في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف. واختتمت الوزيرة حديثها بالدعوة إلى استخدام المياه كعنصر أساسي للتعاون لإحداث تأثير تسلسلي للفرص ضمن العلاقة الأوسع للماء والطاقة والغذاء.

بينما قد صرح الوزير هاني سويلم أن مصر قد بذلت جهوداً لإرساء التعاون الدولي في مجال المياه لسنوات، بدءاً من تدشينها أسبوع القاهرة للمياه في عام 2019 وحتى مبادرة يوم المياه في الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف. وعلاوةً على ذلك، فقد شهد المؤتمر أيضاً ذِكر اسم المياه في البيان الختامي للمرة الأولى. وأضاف سويلم إنه متحمس لرؤية المزيد من المبادرات في التحضير لمؤتمر الأطراف بدورته الثامنة والعشرين.

وأعقبت كلمات أعضاء اللجنة ملاحظات من ممثلي مختلف منظمات المياه والمناخ، إذ تمثل الموضوع الرئيسي بأهمية إيجاد حلول قائمة على الطبيعة وتمثيل الفئات المهمشة، مثل الشباب والشعوب الأصلية.

مؤتمر المياه للأمم المتحدة 2023
الصورة 2: الجلسة الرئيسية "من مؤتمر الأمم المتحدة للمياه إلى مؤتمر الأطراف COP 28" ، والتي تهدف إلى تسريع العمل في مجال المياه والمناخ. المصدر: Jakob Ollivier de Leth

مستقبل الأمن المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قد عُقدت هذه الجلسة في اليوم العالمي للمياه في 22 مارس في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة. وقد جمعت الجلسة اثنين من كبار زملاء المعهد، وهما محمد محمود وميميت مبروك، ولمى الحتو- المحاضرة في جامعة جون هوبكنز، لمناقشة حالة الموارد المائية في المنطقة والتطورات اللازمة للتخفيف من حدة الوضع.

وفي هذا الصدد، قد تم استعراض مجموعة من التحديات: حيث تعاني المنطقة من ندرة المياه، كما أن النظامين الرئيسين للأنهار (نهر النيل ودجلة/الفرات) آخذان في الجفاف مما سيؤدي إلى مشاكل في إمدادات المياه العابرة للحدود. وفي الوقت نفسه، فإن هناك العديد من المشاكل فيما يتعلق بزيادة الطلب بسبب زيادة استخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية والمنزلية. أما القضية الثالثة فتتمثل في نقل المياه أو حالة البنية التحتية للمياه، المأساوية بالفعل، والتي ستحتاج إلى صيانة إضافية بسبب تغير المناخ. في حين يكمن التحدي الأخير في جودة المياه، والتي من المتوقع أيضاً أن تزداد سوءاً بسبب تغير المناخ، مما قد يؤدي إلى تفشي الأمراض في جميع أنحاء المنطقة.

وعلاوةً على ذلك، فقد تم تناول قضية المنافسة بين القطاعات، فالقطاع الزراعي هو أكبر مستهلك للمياه في المنطقة، وقد أصبحت عمليات الاستيلاء على الأراضي والمياه من قبل الشركات والحكومات شائعة على نحوٍ متزايد. كما أن الوضع في القطاع الصناعي معقد أيضاً؛ ذلك أن العديد من الشركات (الأجنبية) كانت وما زالت تعمل لفتراتٍ طويلة دون أي ضوابط أو تدقيق. ومع دعم الحكومات للتنمية الاقتصادية، فغالباً ما يتم أيضاً دعم المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي ميزة لا تشجع على الحفاظ على المياه فضلاً عن كونها غير مجدية أصلاً.

وقد ذكر المتحدثون أن إجراء إصلاح شامل للأنظمة الحالية لا يبدو واقعياً ولا مرغوباً فيه على حد سواء. وعموماً، تندرج المياه ضمن المنافع العامة في المنطقة، وبالتالي فينبغي على الحكومات البحث عن شركاء من القطاع الخاص ممن يمتلكون قدرات أفضل على تطوير قطاع المياه وتنفيذ الابتكارات. وفي كلتا الحالتين، فقد اتفق المتحدثون على أن نافذة مواجهة التحديات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توشك على أن تغلق.

يمكنك الاستماع إلى تسجيل للجلسة بالنقر هنا.

الصورة 3: وزراء من الدول العربية ومسؤولون رفيعو المستوى من المنظمات الوطنية والمتعددة الجنسيات خلال جلسة حول أهمية الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة في السياق الفلسطيني. المصدر: Jakob Ollivier de Leth

أهمية الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة في السياق الفلسطيني

وخلال هذه الفعالية، قد استعرضت سلطة المياه الفلسطينية حالة الموارد المائية في فلسطين، والمبادرات الثنائية مع الدول العربية الأخرى. وقد انضم إلى المنسق، زياد خياط، وزراء من الدول العربية ومسؤولون رفيعو المستوى من منظمات وطنية ومتعددة الجنسيات.

وقد افتتح الجلسة مازن غنيم، رئيس سلطة المياه الفلسطينية ووزير الموارد المائية الفلسطيني، الذي أشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ليس الظاهر فوق الأرض فحسب، بل يوجد احتلالٌ تحت الأرض أيضاً، حيث تسيطر إسرائيل على 85% من طبقات المياه الجوفية الفلسطينية وموارد المياه الجوفية، وأضاف إن إسرائيل تفعل ذلك لبيع المياه للفلسطينيين بسعر أعلى بكثير وتستخدمه “كأداة ابتزاز سياسية.”

ولمنع حدوث كارثة، لا سيما في قطاع غزة، فقد خلص غنيم إلى أن هناك حاجة إلى تحرك عاجل وإصلاح واسع النطاق، فضلاً عن إنشاء محطات جديدة لمعالجة المياه وتحلية المياه على الفور. بيد أنه قال إن الاحتلال الإسرائيلي سيحول دون تحقيق ذلك، حيث ذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف منعت الحكومة الإسرائيلية استيراد توربينات الرياح اللازمة لتشغيل مرافق المياه الفلسطينية في طوباس وجنين، والتي أطلق عليها اسم “واقع المياه الفلسطيني. ” واختتم كلمته بدعوة إسرائيل إلى احترام القوانين والاتفاقيات الدولية ومواصلة التعاون مع الدول العربية الأخرى وجامعة الدول العربية.

في حين أن وزير التجهيز والماء المغربي، نزار بركة، قد تجنّب التطرق إلى موضوع إسرائيل والاحتلال، وركز بدلاً من ذلك على جهود حكومته لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة؛ فمنذ عام 2015، يعمل المغرب وفلسطين يداً بيد وذلك عندما وقع البلدان مذكرة تفاهم تتضمن مبادرات مشتركة لحصاد مياه الأمطار وتنمية القدرات والدعم الفني.

يمكنك الاستماع لتسجيل للجلسة (بعد الدقيقة 44) بالنقر هنا.

الماء: تقاطع العِلم مع الدبلوماسية

قد ألقى الدكتور يوسف باران، رئيس معهد إزمير للتكنولوجيا، الكلمة الرئيسية في هذا الحدث الذي استضافته القنصلية التركية. وقد دعا باران إلى مزيد من التركيز على الدبلوماسية العلمية وقدرتها على مواجهة أكبر تحديات العالم، نظراً لموقعها خارج المجالات السياسية والدبلوماسية الأكثر تعقيداً وحساسية.

وقد أعقب كلمته حلقة نقاشية ضمت علماء أتراك ودوليين والمسؤولة التركية للتعاون في مجال المياه العابرة للحدود بوزارة الخارجية، سيملا ياسمين أوزكايا، التي قالت أن “تركيا تأخذ بعين الاعتبار دوماً جيرانها على ضفاف النهر، سواء في المصب أو عند المنبع.” وأضافت أن تركيا تشارك بيانات موثوقة ودعت دول المشاطئة الأخرى أن تحذو حذوها.

مرفق عالمي للتعاون في مجال المياه العابرة للحدود

قد انضم غدون برومبيرج، مدير ايكو بيس الشرق الأوسط، إلى العديد من مديري مبادرات أحواض الأنهار في لجنة نظمها البنك الدولي حول التعاون العابر للحدود. وعندما سُئل عن الفرص التي رآها تنبثق من صراعات مشابهة، ذكر برومبيرج وساطة منظمته في بناء محطة لمعالجة المياه في قطاع غزة؛ إذ قد تخلت إسرائيل عن مخاوفها الأمنية بعد أن وضّحت إيكو بيس المنافع المشتركة للمحطة. وهنا، فقد وضّح برومبيرج إن بناء هذه المحطة وما تلاها من محطات معالجة أخرى قد أدى إلى وجود شواطئ أنظف على طول سواحل كل من غزة وإسرائيل، الأمر الذي يعتبره مصدر إلهام له وللآخرين.

يمكن الاطلاع على العرض التقديمي بالنقر هنا.

مشروع #يوميات النيل
الصورة 4: صورة من مشروع #يوميات النيل. المصدر: Jakob Ollivier de Leth

خارج الساحة السياسية

قد ذُكِرت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على عدة أصعدة خلال المؤتمر، داخل وخارج السياق السياسي. ومن الأمثلة على ذلك مشروع معرض صور #يوميات النيل، الذي تم عرضه في مقر الأمم المتحدة وعلى شكل صحيفة. ويوثق المشروع قصص المياه اليومية من حوض نهر النيل ويهدف إلى تعزيز التعاون والتفاهم لقضايا المياه حول الحوض.

وطوال المؤتمر، قد عبّر الشباب المختصون والقادة في مجال المياه من المنطقة عن آرائهم. فقد كانت المهندسة المعمارية الأردنية سماح قطيش جزءاً من الفريق الفائز في مسابقة Wetskills، وهي مسابقة متعددة الجنسيات لمدة أسبوعين تركز على إيجاد حلول لدراسات حالة محددة. وقد أشاد الحكام بفكرة مجموعتها المتمحورة حول نهج الأنظمة القائمة على الطبيعة لإمدادات المياه باعتبارها مبتكرة ومرنة إلى حدٍ كبير.

كما انضمت قطيش إلى أيمن قاسم من شركة مياه اليرموك ولؤي الأطرش من سلطة المياه الفلسطينية في لجنة من المهنيين الشباب خلال حوار المياه والتراث والشباب في جامعة كولومبيا.

بالإضافة إلى ذلك، قد لعبت حركة الشباب العالمي من أجل العدالة المناخية دوراً رئيسياً في حشد الدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للدعوة إلى رأي استشاري بشأن تغير المناخ من أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية. ومن شأن هذا الرأي أن يوضح كيف يمكن تطبيق القوانين الدولية القائمة لتعزيز العمل بشأن تغير المناخ وحماية الناس والبيئة. وقد تم إطلاق هذه الدعوة من قبل جمهورية فانواتو الواقعة على المحيط الهادئ، والتي تقع على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، بمساعدة المغرب وآخرين.

وعلاوة على ذلك، فقد قدم البنك الإسلامي للتنمية (IsDB) وخدمة الاستشارات MetaMeta أبحاثهما حول تطورات إنتاجية المياه في الشرق الأوسط. ومن بين أمور أخرى، فقد قاموا بتحديد العوامل المميزة التي تساهم في عدم كفاية إدارة المياه، وخلصوا إلى أن القيمة المضافة للمياه في البلدان المختارة الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية تعادل ما يقرب من نصف تلك القيمة في بقية العالم (19 دولاراً لكل متر مكعب مقابل 10,1 دولارات لكل متر مكعب).

من القول إلى الفعل

باعتباره أول مؤتمر للأمم المتحدة عن المياه منذ ما يقرب من 50 عاماً، فقد كان هناك الكثير مما يجب قوله وفعله والاتفاق عليه. وإن المؤتمر قد أسفر عما يقرب من 700 التزام في شكل أجندة عمل المياه، والتي ستترجم إلى ما قيمته 300 مليار دولار من التعهدات، إلى جانب تشكيل لجنة علمية جديدة حول المياه، حيث ستكون دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إما شركاء أو أهداف في العديد من هذه الالتزامات. ومع ذلك، فإن الرقابة لتنفيذ هذه الالتزامات ضعيفة ولا تعتبر أي من هذه التعهدات ملزمة.

ومع اقتراب الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف والمنتدى العالمي للمياه 2024 في بالي- إندونيسيا، تبرز الحاجة إلى مواصلة الضغط لمحاسبة المسؤولين وضمان التحولمن مجرد أقوال إلى أفعال على أرض الواقع.

user placeholder
written by
Mohammed Abdullatif
المزيد Mohammed Abdullatif articles