الكاتب: مات لونا / فَنَك للمياه
شهدت الفعاليات المقامة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023 الذي انعقد في الفترة من 22 إلى 24 مارس نقاشات عن الصمود والاستصلاح والأمن في ملف التكيف المائي والمناخي، بالإضافة إلى الحديث عن استراتيجيات الاستثمار. ومن أجل الوصول إلى مناهج مستدامة، تعاون العلماء والخبراء الماليين مع المنظمات غير الحكومية للاستفادة من الاختصاصات المتعددة وتقديم أشكال جديدة للتعاون بين الفاعلين المعنيين وغيرهم.
يعاني الناس في أنحاء العالم عواقب الأحوال الجوية القاسية التي عادةً ما تكون أشد قسوة في البلدان النامية أو الضعيفة. أوضح هينك أوفينك، المبعوث الهولندي الخاص لشؤون المياه وأحد المنظمين الرئيسيين لمؤتمر المياه، في مقال شارك في كتابته في مجلة نيتشر، أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد كذلك من كمية الرطوبة الموجودة في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى جفاف أكبر في موسم الصيف في مناطق مثل حوض البحر الأبيض المتوسط. لم يعد هناك شك في أن أنماط الطقس والنماذج الاقتصادية السابقة لا يمكن استخدامها لتطوير أساليب تصلح للصمود مستقبلاً.
وفي الفعالية التي أُقيمت في 23 مارس على هامش المؤتمر تحت عنوان “وضع المياه في قلب العمل المناخي عبر التكيف المحليّ”، ناقش المشاركون الأساليب التي تضمن وصول الاستثمارات إلى الفاعلين المحليين لتطوير أساليب الصمود في مواجهة تغير المناخ. فوفقاً للجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، يفتقر ربع سكان العالم (مليارا شخص) إلى مياه الشرب المأمونة، وتعرّض الكوارث المرتبطة بالمياه صحة المجتمعات إلى الخطر، بالإضافة إلى إخلالها بالأمن الغذائي والأنشطة المدرّة للدخل. وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “إحدى أكثر المناطق التي تعاني ندرة المياه في العالم”، ويقدّر البنك الدولي أن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ قد تكلّف المنطقة ما يصل إلى 14% من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى الأعوام الثلاثين المقبلة.
من الممكن لأنظمة الإنذار المبكر المستندة إلى بيانات الظواهر الجوية المستمدة من مراقبة الأرض عبر الأقمار الصناعية أن تنقذ أرواح الناس، لا سيما في أثناء الفيضانات، ولكن يجب تنفيذها على المستوى المحليّ لضمان نجاعتها. وهذا يتطلّب الابتعاد عن الأساليب التقليدية من أجل زيادة الاستثمارات في المجتمعات المحلية. ومن شأن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي سينعقد في الإمارات نهاية هذا العام، وكذلك الاجتماعات التي ستُنظّم قبله، أن يتيح الفرصة لتعزيز الاتفاق على مسارات جديدة في المستقبل وتحديد الإجراءات المطلوب تنفيذها.
يؤدي تدهور النظم البيئية الطبيعية الناتج عن التدخل البشري إلى مزيد من التغييرات في دورات المياه، ما يؤدي إلى الإخلال بالنظام المجتمعي وزيادة تعريض الناس لآثار ذلك. وفي الفعالية التي اُقيمت في 24 مارس على هامش المؤتمر تحت عنوان “حلول طبيعية من أجل المياه والسلام“، استخدمت شركة “ويذر ميكرز”، وهي شركة هندسية تسعى إلى إصلاح دورات المياه، شبه جزيرة سيناء في مصر مثالاً على مبادرة استصلاح الأراضي. فزيادة الغطاء النباتي يؤدي إلى زيادة في هطول الأمطار، ما يعني أن تحويل الغابات إلى أراض زراعية قد يكون له أثر هائل على أنماط هطول الأمطار في المنطقة. ويمكن الاستفادة من الحلول التي ابتكرها السكان المحلّيون وكذلك الجهات الصناعية الفاعلة في تغيير بعض الآثار السلبية للأراضي الزراعية وأنماط الطقس المضطربة.
قال جون د. ليو، عالم البيئة والمخرج الذي يعمل مع “ويذر ميكرز” وحركة “إيكوسيستم ريستوريشن كامبس”: “من الممكن استصلاح النظم البيئية الكبيرة. لقد تحسّنت حياة الناس، وهم الذين صنعوا الفارق.” وأضاف: “تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة للمساهمة في مستقبل الناس من خلال استعادة الدورة الهيدرولوجية”.
وتحدثت لورا بيركمان، مديرة برنامج المناخ والأمن بمركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، عن تأمين الحلول الطبيعية والتكيف مع المناخ من خلال التعاون مع مبادرة “شراكة المياه والسلام والأمن” لتحديد مناطق الخطر التي تضمّ شمال سيناء، وسوريا، والعراق، ومحافظة مازندران في إيران. وتنطوي هذه الاستراتيجية على الخطوات التالية: 1) التحليل، 2) والتوقع، 3) والتجهّز، 4) والتخفيف من حدة التهديد الذي تمثله الصراعات العنيفة في المناطق التي تتسم بندرة الموارد، والهجرة القروية، والاضطرابات الاجتماعية. وأوضح توم ميدندورب، اللواء الهولندي المتقاعد والخبير الاستشاري في مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، في حديثه أنه “لا تكيف من دون الأمن. لذلك علينا أن نتعاون مع الفاعلين المدنيين لتطوير أساليب للتعامل مع تلك النزاعات والاستثمار في أنظمة مستقبلية لا تستنزف الموارد حتى لا يُضطر الناس إلى الهجرة”.
وقد استضافت مؤسسة الاتحاد من أجل المتوسط فعالية على هامش المؤتمر في 23 مارس تحت عنوان “تمويل المياه في منطقة البحر الأبيض المتوسط”، وناقش الحضور أساليب تطوير الاستدامة المالية في مجال إدارة المياه. وأثار محمد شتيوي، مدير وكالة الحوض المائي لتانسيفت بالمغرب، مسألة تأسيس وإدارة شراكات ناجعة بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما تكرر الحديث خلال الجلسة عن تسعير تعريفة المياه وتعديلها. وقال السيد شتيوي: “مع تزايد ندرة المياه، يجب علينا أن ننظر في إدارة الطلب على المياه، وأن تكون إعادة استخدام المياه هي الركيزة الأحدث”. وقدّم زافييه لافليف، رئيس فريق المياه بمديرية البيئة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مجموعة من الإرشادات لمساعدة دول المنطقة، ومنها إعادة توجيه الدعم المالي العالمي للمياه لتحسين البحث عن الأشخاص المحتاجين، وضمان سنّ قوانين نافذة في ما يخص إمدادات المياه، وخدمات الصرف الصحي، والتعريفات، بالإضافة إلى تمكين تمويل المياه من خلال تقييم الشروط اللازمة.
وقد قُوبل حديث جون د. ليو بتصفيق حار عندما عبّر عن مشاعره بخصوص عدد من النقاشات التي أُجريت خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، إذ قال: ” يجب أن نسترجع الطبيعة بدلاً من بناء مزيد من الأطلال لينقّب عنها علماء الآثار في المستقبل”. وأضاف: “الناس يعملون باجتهاد في جميع أنحاء العالم كي يساعدوا على تجديد النظم البيئية والدورات الهيدرولوجية. ولسوف تتقدم البشرية إذا ما جعلنا ذلك أساس أنظمتنا الاقتصادية”. في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، ستتجه الأنظار كلها إلى الجهات الفاعلة في القطاعات الرئيسية لترى كيف ستتحول الالتزامات بالأساليب المبتكرة المتمركزة حول البيئة إلى إجراءات ملموسة ومستدامة.