يعاني الشرق الأوسط من احترارٍ أسرع من بقية العالم، إذ قد يمكن أن تجعل موجات الحر الشديدة الحياة في المنطقة مستحيلة.
المصدر: إيزابيل بول (Trouw).
سيكون القرن الحادي والعشرون حاراً بشكلٍ لا يطاق بالنسبة للشرق الأوسط، الذي يشهد احتراراً أسرع بمرتين من المعدل العالمي. وفي حال استمر الوضع على هذا المنوال، سيرتفع متوسط درجة الحرارة في بعض المناطق أربع درجاتٍ بحلول عام 2050. وعليه، فيبدو أن الهدف المتمثل في الحد من الاحترار العالمي بدرجة ونصف، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية باريس، بالفعل غير قابل للتحقيق في المنطقة.
ووفقاً لبحثٍ أجراه معهد ماكس بلانك الألماني للكيمياء الحيوية في ماينز ومعهد قبرص في نيقوسيا، فإن الوضع حرج. واستناداً إلى “مسار العمل كالمعتاد،” مما يعني عدم اتخاذ أي إجراء مناخي، فسيواجه الشرق الأوسط – بما في ذلك البلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل مصر وإيران والعراق – موجات حر غير مسبوقة تجعل الحياة في بعض المناطق مستحيلة. وبحلول نهاية القرن، فستكون فترات الصيف الأكثر برودة حارة تماماً كحال ذروة فصل الصيف بين عامي 1981 و2010.
موجات حارة تصل إلى ستين درجة مئوية
وفي هذا الصدد، يسرد جوس ليليفيلد، مدير قسم كيمياء الغلاف الجوي في معهد ماكس بلانك وأحد مؤلفي البحث، الحقائق بقوله: “إذا افترضنا سيناريو العمل كالمعتاد، فسنواجه موجات حرٍ شديدة، لم نشهدها من قبل.” ويُضيف، “سيكون هذا السيناريو كارثياً، إذ قد تصل درجات الحرارة في بعض الأماكن إلى 60 درجة مئوية اعتباراً من عام 2060، ولعدة أسابيع في كل مرة. وفي حال كان لديك أجهزة تكييف، فلربما سيكون الوضع محتملاً، ولكن في حال لم تكن لديك إمكانية الوصول إليها، فلن تنجو من الحرارة.”
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ سكان المدن سيتعرضون لدرجات حرارة أعلى من الرقم المذكور أعلاه، ذلك أن البيئات الحضرية غالباً ما تحبس مزيداً من الحرارة على نحوٍ أكثر من البيئات الريفية. بالإضافة إلى ذلك، لن تصبح المنطقة أكثر حرارة فحسب، بل ستبقى أيضاً أكثر حرارةٍ لفترةٍ أطول، إذ ستحدث موجات الحر بشكلٍ منتظمٍ أكثر، وقد يزداد حدوثها بعشرة أضعاف بحلول نهاية القرن. كما ستستمر لفترةٍ أطول: إذ يمكن للناس في الشرق الأوسط أن يتوقعوا 200 يوم من أيام السنة بدرجات حرارة استثنائية.
أما المناطق ذات الرطوبة العالية – مثل دول الخليج كالإمارات العربية المتحدة والكويت – فهي معرضة للخطر على نحوٍ خاص. وفي ظل مثل هذه الظروف، فإن جسم الإنسان يكافح لتنظيم درجة حرارته، وعليه، فقد يحدث الإجهاد الحراري بسرعةٍ أكبر، مما يعني أن الجسم لن يستطيع تبريد نفسه بالسرعة الكافية. وفي الحالات شديدة الخطورة، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل طبية خطيرة أو حتى الوفاة.
وبالتالي، فإن تكييف الهواء سيصبح ضرورة مُلّحة، لكن، لا يستطيع الجميع تحمل كُلفته؛ ففي العراق على سبيل المثال، حيث وصلت درجات الحرارة هذا الصيف إلى 52 درجة مئوية، فإن السكان الأكثر ثراء فقط يمنكهم الحصول على تكيبف وتبريد الهواء على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. وعلاوةً على ذلك، فلا يمكن الاعتماد على شبكة الكهرباء الوطنية، حيث تحصل بعض الأحياء في المدن على الكهرباء لساعاتٍ قليلة فقط في اليوم في فصل الصيف. أما أولئك الذين يملكون المال لشراء مولد خاص، فيمكنهم الاستمرار في تشغيل وحدات تكييف الهواء أثناء انقطاع التيار الكهربائي، بيد أن العراقيين الأكثر فقراً لا يتمتعون بهذه الرفاهية. وفي غضون بضعة عقود، فقد تصبح درجات الحرارة بالنسبة لهم قاتلة.
المبنى الأخضر في العراق
يُمثل هذا السيناريو أعلاه كابوساً ينبغي أن يدق ناقوس الخطر عبر الطيف السياسي، ولكن بدلاً من ذلك، تستمر الانبعاثات في الزيادة. وبحسب ليليفيلد “أصبحت منطقة الشرق الأوسط على رأس القائمة في مجال انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، إذ أن الدول الـ 17 مجتمعةً، لديها اليوم نفس الانبعاثات تقريباً مثل دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة،” ويُضيف “ولكن بينما بدأت انبعاثات الاتحاد الأوروبي في الانخفاض، ترتفع الانبعاثات في الشرق الأوسط بشكلٍ حاد.”
إن قطاع الطاقة يعدّ المسؤول عن معظم الانبعاثات، إذ تعتمد المنطقة بشكلٍ شبه كامل على الوقود الأحفوري. وطالما أن البلدان لا تتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، فمن المتوقع أن تستمر الانبعاثات في الارتفاع مع ارتفاع درجة حرارة الجو، ذاك أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد والمزيد من الكهرباء لتشغيل مكيفات الهواء.
وفي حين أن الطموح السياسي لا يزال محدوداً، بدأ بعض المواطنين بأخذ زمام الأمور بأيديهم. ففي عام 2018، أسست باسمة عبد الرحمن مؤسسة Kesk (التي تعني “الخضراء” باللغة الكردية)، وهي أول مؤسسة متخصصة بتصميم المباني الخضراء المستدامة في العراق، والتي تهدف إلى الحد من الانبعاثات عن طريق تقليل الطلب على الطاقة، كما وضحت لنا عبر الهاتف.
“يستهلك المبنى الأخضر طاقة أقل بحوالي 50% من المنزل العادي، وذلك ببساطة نتيجة لطريقة تصميمه،” بحسب ما تقوله، وتضيف “وعلى الصعيد العالمي، فإن المباني التقليدية مسؤولة عن حوالي ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن خلال اختيار المنازل الخضراء، فيمكنك تقليل هذه الانبعاثات بسرعة.”
إن أول المنازل الخضراء لمؤسسة Kesk يوجد في الموصل، بعد أن تم تحويل مركز مجتمعي دمرته التفجيرات الأمريكية عام 2017 إلى مركزٍ تعليمي. “تركنا الثقوب في السقف، والتي باتت الآن أنابيب شمسية، مما يسمح للضوء الطبيعي من الشمس بالسطوع في الداخل،” على حد تعبير باسمة.
العراق: خطرٌ متزايد وأفعالٌ محدودة
وأيضاً، يُبقي لهيب فصل الصيف باسمة عبد الرحمن على أهبة الاستعداد. فعلى الرغم من أن مكيفات الهواء ستصبح ضروريةً في القريب العاجل، إلا أنّ هناك معضلة تتمثل باستحواذها على الطاقة الكهربائية، إذ يُستهلك حالياً ما لا يقل عن 60% من إجمالي استهلاك الطاقة المنزلية في العراق لتشغيل مكيفات الهواء. ولهذا السبب فقد قامت عبد الرحمن وزملاؤها بتأسيس مبادرة جديدة حملت اسم Kesk Solar، العام الماضي.
تقوم الشركة بتركيب الألواح الشمسية المتصلة مباشرة بمكيف الهواء في المنزل، حيث تخفف الوحدات الضغط على شبكة الكهرباء وتجعل المولدات الاحتياطية المُلَوِثة التي يستخدمها العديد من العراقيين قد عفا عليها الزمن – ففي نهاية المطاف، الشمس مشرقةٌ دوماً في العراق.
وبالرغم من كونها خطةً مبتكرة، إلا أنها ما تزال تخطو خطواتٍ خجولة، إذ تأمل عبد الرحمن في تركيب الآلاف من هذه الوحدات الضوئية في السنوات القليلة المقبلة – وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، بيد أنها ما تزال حتى الآن نقطة في بحر. بل إن الافتقار إلى الإلحاح والوعي السياسي بالأزمة التي تلوح في الأفق هو أمرٌ تواجهه عبد الرحمن يومياً، وبحسب قولها “وفقاً للأمم المتحدة، يعد العراق من بين الدول الخمس الأولى في العالم الأكثر عرضة لتغير المناخ، لكن الموضوع ليس على رأس جدول الأعمال هنا.”
تتفهم عبد الرحمن بعض الأسباب وراء ذلك، فقد عانى العراقيون الكثير في العقود الأخيرة، وليس من المستغرب أن تشتت الحياة اليومية أنظار كلاً من المواطنين والسياسيين عن كارثةٍ ما تزال إلى حدٍ كبير من المشاكل المستقبلية، وهنا تقول عبد الرحمن “في ظل الحرب ضد داعش، والأزمة الاقتصادية والوضع الأمني الحالي، هناك أمورٌ أخرى ذات أولوية لدى الناس في الوقت الراهن.”
يبقى أن نرى ما إذا كان سيستمر هذا الحال لفترةٍ أطول، فالصيف شديد الحرارة ليس سوى البداية ذلك أن هطول الأمطار آخذٌ في التناقص، وهو ما يتسبب، إلى جانب الحرارة المرتفعة، في جفاف الأنهار والمستنقعات في جنوب العراق، مما يساهم في تصحر الأراضي الزراعية. إن عواقب ذلك وخيمة: فقد أعلنت وزارة الزراعة في أكتوبر 2022 أن نصف المحاصيل الشتوية فقط ستزرع هذا العام لعدم وجود مياه كافية لزراعة المزيد. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للأمم المتحدة، فقد أدى الجفاف هذا العام إلى خفض محصول الحبوب في شمال البلاد بنسبة 70%، كما أعلن عن فشل محصول الشعير تماماً. وعلاوةً على ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة يعني أيضاً زيادة معدلات الجوع.
الإجراءات المتخذة في لبنان
لا يعدّ العراق البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي تصرف فيه مشاغل الحياة اليومية الانتباه عن أزمة المناخ. وفي هذا الصدد، يسلط حسين غندور، الناشط المناخي الشاب من لبنان، الضوء على قلة الاهتمام الذي يحظى به هذا الموضوع في بلاده، ويقول: “غالبية السكان ببساطة غير مهتمين بالأمر، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص الوعي والتثقيف.”
“نمر بأحلك السنوات في تاريخ البلاد، في ظل اقتصادٍ منهار وظروف معيشية مروعة وغير آمنة. لسوء الحظ، يشعر اللبنانيون بالغضب والإحباط في الوقت الراهن – وهم محقوّن في ذلك – ولا يتقبلون الحملة بشأن أزمة المناخ.”
في سبتمبر، حضر غندور مؤتمراً في ميلانو نظمته مبادرة Youth4Climate، وهي جمعية دولية من نشطاء المناخ الشباب، كمندوب عن لبنان. وعلى الرغم من المشاكل في بلاده، إلا أنه يريد أن ينشر الوعي في أوساط المجتمع اللبناني حول قضايا المناخ، ويوضح، “ترتبط أزمة المناخ ارتباطاً وثيقاً بشواغلنا اليومية. خذ على سبيل المثال أزمة الكهرباء والوقود في لبنان.” ويتابع القول، “أقوم حالياً بعصف ذهني لحملة محلية لزيادة الوعي حول تغير المناخ والبصمة البيئية.”
ولكن قبل اتخاذ أي خطوات رئيسية، ينبغي التعامل مع النظام السياسي، ومن وجهة نظره: “ستكون عواقب الاحتباس الحراري كارثيةً أكثر على لبنان إذا لم نفعل شيئاً حيال الفساد في هذا البلد. عندئذٍ، لن ينتهي الأمر بأموال الصندوق الدولي للمناخ إلى حيث تنتمي أو تُستخدم للغرض المقصود منه: حماية الفئات الأكثر ضعفاً في مجتمعنا من عواقب أزمة المناخ.”
وعودٌ حول المناخ: ما مدى صدقها؟
وفي الوقت نفسه، فإن الاعتراف السياسي في المنطقة بأزمة المناخ التي تلوح في الأفق محدود. ومن بين دول العالم الخمس التي لم تُصادق بعد على اتفاقية باريس، توجد أربع دولٍ في الشرق الأوسط: إيران وليبيا واليمن والعراق. وفي الفترة التي سبقت قمة المناخ في غلاسكو، قد قدمت العديد من الدول تعهدات بشأن المناخ: فقد حددت الإمارات العربية المتحدة هدفاَ للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، و قد حددت البحرين والمملكة العربية السعودية – أحد أكبر مسببي التلوث في العالم- نفس الهدف لعام 2060. وفي الشهر الماضي، فقد نظمت المملكة العربية السعودية “مبادرة السعودية الخضراء” التي أعلنت فيها عن خططها.
لكن يبقى السؤال المطروح هنا عن مدى جدية هذه الدول؛ فعلى سبيل المثال، فقبل يومٍ من إعلان المملكة العربية السعودية عن أهدافها المناخية، قد كشفت شركة النفط الحكومية أرامكو عزمها زيادة الإنتاج من 12 مليون برميل إلى 13 مليون برميل من النفط يومياً بحلول عام 2027. وفي الوقت نفسه، يعتقد علماء المناخ أن أهداف باريس المناخية يمكن تحقيقها بشكل أسرع من خلال الابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري. علاوةً على ذلك، فقد ورد الأسبوع الماضي أن المملكة العربية السعودية، إلى جانب كلٍ من اليابان وأستراليا، قد ضغطوا على الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)- لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة – لتخفيف توصياتها في التقرير المناخي القادم.
وعلى الرغم من أن الوقود الأحفوري يعد مصدر دخلٍ جيد اليوم، إلا أنه من الأفضل لدول الخليج أن تبتعد عن استخدام النفط والغاز في المستقبل القريب. وفي حال لم ينوعوا اقتصاداتهم بسرعة – على سبيل المثال، من خلال الاستثمار في الطاقة الخضراء – فسيتضررون بشدة إلى ذلك عندما يتحول بقية العالم إلى مصادر الطاقة البديلة.
وأيضاً، فيمكن للاستثمار في مستقبلٍ أكثر اخضراراً أن يقلل من فرص حدوث النزاعات. وهنا، يحذر ليليفيلد من أن أزمة المناخ التي ستؤدي إلى ندرةٍ في المياه، يمكن أن تشعل فتيل نزاعاتٍ مستعرة. “هذا ليس العامل الوحيد، بيد أنه يمكن أن يؤثر على المناطق التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار. يعيش حالياً حوالي 600 إلى 700 مليون شخص في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول نهاية القرن. كما يمكن أن يؤدي نقص الماء وارتفاع الحرارة بالتأكيد إلى زيادة الضغط،” على حد تعبيره.
غارقون حتى آذاننا
باختصار، يبدو المستقبل اللاهب أمراً لا مفر منه إذا لم يتم تقييد الاحترار بسرعةٍ وبشكل جذري. وعليه، فيخلص ليليفيلد إلى أن عواقب العمل كالمعتاد ستكون كارثية: “لا داعي لأن تكون مُتنبئاَ للتنبؤ بما سيحصل.” في حين يتوقع غندور، الناشط الشاب، الذي سيختبر هذا السيناريو بنفسه، أيضاً سنواتٍ صعبة في المستقبل، إذ يتنهد قائلاً: “بصراحة، نحن غارقون بالفعل حتى آذاننا في أزمة المناخ ولم تعد هناك طريقة لتخطيها، بمعنى أنه لا توجد طريقةٌ سحرية لجعل المشكلة تختفي.”