المملكة الأردنية في جفاف مستمر
ل- كيث بروكتور
في العام الماضي، نشرت منظمة الإغاثة والتنمية الدولية، ميرسي كوربس Mercy Corps ، تقرير بعنوان، ندرة المياه وضغوط اللاجئين في الاردن. كان التقرير عباره عن محاوله للتوصل الى تفهم التحديات التي تواجه المملكة الأردنية الهاشميه. فى الوقت الحالى وبعد مرور عام من إصدار التقرير ، معظم الاتجاهات الخطيره التي حددناها في التقرير مازالت مستمره.
تعتبر معظم أراضي المملكة الهاشمية الأردنية صحراء جرداء ذات طبيعة جافة وقاسية مما يجعلها من أكثر دول العالم جفافا ومهددة بالظمأ.
منذ فترة طويله، حذر المحللون أن الأردن، التى تعانى من نقص في مواردها المتجددة و تزايد سريع في عدد سكانها، انها سوف تواجه عواقب اكثر. وبالفعل فى السنوات الأخيرة ظهرت وتضاعفت تحديات عديدة فى مواجهة المملكة الجافة أسرع من المتوقع.
تُلام الحرب السورية الأهلية إلى حد كبير على تسارع هذه التحديات، فمنذ عام 2012، تدفق حوالى ستمائة ألف واثنان وعشرون (622,000) لاجىء سورى إلى شمال المملكة مما يعادل ما يقرب من عشرة بالمئة من السكان قبل الأزمة. مما أدى الى تسارع إستنزاف المياه الجوفيه وانخفاض منسوب المياه بشكل حاد. ومع انخفاض مستوى المياه، ارتفعت نسبة الملوحه مما جعل كمية المياه الصالحه للشرب قليله وبانخفاض مستمر. فالماء الموجود تحت سطح الاردن يختفي شيئا فشيئا – وربما يختفي معه الإستقرار، وهو الذي جعل من الأردن احد اكثر دول الشرق الاوسط استقراراً.
ووفقا لمروان المعشر، نائب رئيس الوزراء السابق في المملكة، “في الأوضاع البيئة الحالية، ندرة المياه تهدد وجود الاردن”.
اللاجئين، الادارة والصراع
تظهر تحديات ندرة المياه تحديدا فى الأماكن التى يتركز بها اللاجئين فى الشمال. وتعتبر هذه المجتمعات الأكثر تضررا من اللاجئين، حيث تضاعف معدل الطلب على المياه الى أربعة أضعاف. وانخفضت إمدادات المياه اليوميه من فوق 80 لتراً للشخص الواحد الى أقل من 30 لتراً- أقل من ربع حوض الإستحمام، واقل بكثير من 50 لتراً للشخص وهو المقياس الضروري لتلبية الإحتياجات الأساسية للانسان. على هذا الصعيد، سيحدث انخفاض في معايير الصرف الصحي، وازداياد الأمراض، وذبول المحاصيل الزراعيه وظمأ الأطفال. فخلال أشهر الجفاف يمكن أن تنقضي أسابيع قبل أن تخرج قطرة ماء من الصنبور.
عند عدم تدفق المياه، تنتج بيئه مهيئه للأفراد بإلقاء اللوم على الاخرين وتحميلهم المسؤوليه. ميرسي كوربس (Mercy Corps) قامت بعمل تقييم أكملته الخريف الماضي، وجدت أن ندرة الموارد هي مصدر مستمر للتوتر بين الأردنيين والسوريين. في حين أن المشاعر الصعبه يتم التخفيف عنها إلى حد ما بصلة القرابة – حيث أن العديد من اللاجئين يتبادلون روابط الدم مع مضيفيهم – و”ثقافة الضيافة،” بالرغم من ذلك بدأ صبر الأردنيين بالنفاذ. حيث أن الغضب من اللاجئين أدى الى إثارة الحركات الإحتجاجية الأردنية مثل حراك نشامى المفرق، بالإضافه الى المحاورات الصاخبه والغاضبه التي تستضيفها الإذاعات المحليه مثل محمد الوكيل ومحمود الحويان.
القلق لدى الاردنين نمّى الإحباط لهم من حكومتهم، وتزايد الغضب الموجّه على عمان من نقص المياه. وليس من الصعب معرفة السبب. فالمؤسسات المسؤوله عن تزويد المياه عاجزة إلى حد كبير في مواجهة تزايد الطلب عليه. شركة اليرموك للمياه – المؤسسه المسؤوله عن معظم المناطق المتضررة من اللاجئين – مثقلة بالمصروفات ومترهلة وغير فعاله، وفقا للتقييم الذي أتمه مركز بحوث التنمية الدولية، والإستشارات البحثية العام الماضي.
ونتيجة قلة الموارد التي تعاني منها المؤسسه وضعف إدارتها والقوه العاملة الجامحه لديها، أثبتت المؤسسه عدم قدرتها على معالجة إنقطاع الخدمة أو إنقطاع الإمدادات، مما أدى الى ارتفاع ساحق لحجم الشكاوى. والتي ازدادت مع وجود اللاجئين. ازدادت حجم هذه الشكاوى الى أربعة أضعاف بالفتره من 2011 الى 2013 وفقا لبيانات شركة اليرموك للمياه :من 12,520 الى 45,433 شكوى. معظمها لم يتم الرد عليه.
انهيار الخدمات العامة الحيوية له عواقب خطيرة. وفي، أشهر الصيف الحارة والجافة أثارت الاضطرابات : موجة غاضبة من الاحتجاجات، وهجمات على محطات الضخ و اغلاق للطرق الرئيسية بأكوام من الإطارات المشتعلة. حتى الآن كانت الحكومة قادرة على التعامل معها.
تأجيل اتخاذ القرار المناسب لوقت لاحق
في الوقت الحالي, التحديات التي نتجت عن وجود اللاجئين تغطي وتتقدم على التحديات التي يواجهها قطاع المياه في المملكة من قبل مثل : ضعف إدارة الموارد و ترهل البنية التحتية والشبكات اضافة الى الإمدادات القليلة .
ادارة المياه في الاردن كانت ولا زالت تفتقر الى عنصر الاستدامه والفاعلية. فمثلا بدل ان تقوم الوزارة باصلاح الشبكات القديمة والمهترئة – والتي بسببها يتم فقد كميات كبيرة من المياه- قام بحفر مجموعه من الابار وضخ جائر للمياه و الاستثمار بمشاريع ذات تكلفة عالية. و بناء على بحث قام به الدكتور مروان الرقاد, متخصص في مجال المياه الجوفية في الجامعة الأردنية, إنه اذا استمر الاردن باستنزاف الأبار الجوفبة على هذا النحو فإن المملكة ستفقد مياهها الجوفية النقية في بداية عام 2060.
هناك بعض المخاوف من أن ضغط اللاجئين الذي ولدته الحرب الأهلية السورية الدامية و التي دفعت عشرات الآلاف من العائلات لتخطي الحدود قد سرّع الوقت. حيث صرّح سعيد حميد ، اختصاصي المياه والصرف الصحي في اليونيسيف- عمان: أن الاردن ربما كان قادرا على مواكبة تحديات المياه قبل قدوم اللاجئين وكان لديه خطط واستراتيجيات لتحسين الأوضاع ولكن ليس بعد. إذ أضاف “أن أزمة اللاجئين السوريين دمرت الاستراتيجية القديمة”.
الإستنزاف لآخر قطرة
لقد ضُبطت عملية تزويد المياه خلال العام الماضي, إلا أن ذلك كان على حساب مخزون الأبار الجوفية الثمينة في شمال الأردن و ذلك بضخ كميات أكبر من المياه و بوقت أسرع.
لا توجد طريقة “لحل” مشكلة شح المياه. فإن العوامل الجغرافية و السكانية و المناخية تدفع الأردن لتكون من أكثر الدول إفتقارا للماء. لكن عملية إستنزاف المصادر المائية حتى الرمق الأخير عملية غير مجدية وحل غير استراتيجي. و مع إستبعاد رجوع اللاجئين إلى ديارهم في وقت قريب, لا بد من تكثيف الجهود المستقبلية لعمل توازن بين الإحتياجات الحالية المُلحّة والتخطيط المستدام.
أولا، يجب أن تركز الاستثمارات المستقبلية بدرجة أقل على حفر الآبار وبدرجة أكبر على تحديد شبكات خطوط الأنابيب المهترئة. فهناك مليارات اللترات من المياه تتدفق ببساطة من الأنابيب المكسورة من جميع مضخات مياه الأرض في الأردن. وحسب أحد التقديرات، فإن كمية المياه المفقودة بسبب البنية التحتية القديمة على مستوى المملكة قد تكفي بعد سنة لتلبية الاحتياجات الأساسية لأربعة ملايين شخص. هذه مأساة في التبذير والإسراف.
ثانيا, لا بد من سد الثغرات المؤسسية. إن الإستثمار في البنية التحتية لن يجدي نفعا إذا استمر توكيل المشاريع الجديدة لشركات لا تملك الموارد و لا الخبرة لتشغيلها و الحفاظ عليها . إن مكتب شركة مياه اليرموك يفتقر إلى التنظيم: ولا تحل مشكلة هذه المؤسسة بتدفق رأس المال, بل بإعادة هيكلة متينة. أما شركات المرافق العامة في جنوب الأردن وفي عمان والعقبة تقدم خدمات أكثر فعالية وكفاءة. يجب الاستفادة من خبراتهم في الشمال.
ثالثا، لا بد من التخفيف من حدة النزاعات للحد من التوتر بين المضيفين واللاجئين والتي كانت في تزايد ملحوظ. فقد أظهرت أبحاث ميرسي كوربس (Mercy Corps) أن ايجاد مساحات جماعية للسوريين والأردنيين، وان مكافحة الصور النمطية ودعم القادة ذوي مهارات الوساطة في النزاعات جميعها عوامل تعمل بصورة واضحة على الحد من الميول نحو العنف.
وأخيرا، يجب على الفاعلين في مجال التنمية دعم الجهود المجتمعية لإدارة الطلب على المياه من خلال تعليم ترشيد استهلاك المياه وتحسين البنية التحتية المحلية. جمع مياه الأمطار على السطح، و خزانات المياه المنزلية ، وأنظمة معالجة المياه المستخدمة منزليا, كلها امور حدت من ضغوطات المنازل السكنية على شبكات المياه المركزية اذ يجب على الجهات المعنية مساعدة الأسر والمدارس والمستشفيات في تمويل مثل هذه المشاريع، من خلال المنح وبرامج القروض المتجددة.
على الرغم من أن الأمر لا يلقى الترحيب, إلاأن الأزمات هي نقاط التحول: إذ توفر الفرص لتغيير السلوكيات, في بيئة فقيرة, و تعزز الإبتكارات المستدامة. تحتاج الأردن و شركاؤها الدوليين اليوم لعمل إستثمارا ذكيا. و إن لم يقوموا بذلك فعلى الأغلب ستواجه مستقبلا أشد جفافا.