المُساهمون :
الكاتب :يارنو فان رد فال، ماجستير في دراسات الشرق الأوسط، جامعة أمستردام، هولندا
الزميل المُراجع: Fanack Water
أدت الخلافات المستمرة حول القضايا التقنية والقانونية المتعلقة ببناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل الأزرق إلى بدء محادثاتٍ جديدة بين مصر والسودان وإثيوبيا، بعد أن بدأت إثيوبيا في ملء خزان السد في يوليو 2020.
تصر مصر على أن ملء الخزان يتطلب بلورة اتفاقية ملزمة قانوناً بشأن التخصيص العادل لمياه النيل ليتم تنفيذه. وفي غضون ذلك، تجادل إثيوبيا بأن سد النهضة لن يؤثر بشكلٍ كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل وأن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن سبل العيش في المنطقة ككل. وعليه، من غير المستغرب توقف المحادثات.
ففي عام 2011، أعلنت إثيوبيا، بصفتها دولة المنبع، عزمها إنشاء مشروع سدٍ بمليارات الدولارات وسط الاضطرابات السياسية للربيع العربي في مصر. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، لم تسفر المفاوضات حتى الآن عن اتفاقٍ من شأنه تسوية القضايا العالقة المحيطة بالسد.
يهدف المشروع الذي تم بناؤه بتكلفة 4,8 مليار دولار، وتم تمويله بشكلٍ أساسي من الموارد المحلية بالإضافة إلى تمويل من البنوك الصينية للحصول على توربينات ومعدات كهربائية لمحطات الطاقة الكهرومائية، إلى توليد 6450 ميجاوات من الطاقة. وبمجرد تشغيل سد النهضة، سيولد السد طاقة كهرومائية كافية لتلبية احتياجات سكان إثيوبيا بالكامل وجعل البلاد مركزاً للطاقة في إفريقيا.
أما مصر، بصفتها دولة المصب، فترى أن السد يمثل تهديداً كبيراً لأمنها المائي والغذائي، إذ يعيش حوالي 95% من التعداداد الكي للمصريين على طول نهر النيل، ويعتبر النهر أيضا شريان الحياة لمواطنيه. كما تتزايد المخاوف في مصر بسبب الزيادة السكانية المتوقعة وتغير المناخ والآثارالمحتملة على القطاع الزراعي. ووفقاً للأمم المتحدة، سيزداد عدد السكان بمقدار مليون نسمة كل ستة أشهر، وفي الوقت نفسه، سيتزايد الطلب على المياه وسط التحضر والتصنيع السريعين، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نقصٍ في المياه في عام 2025.
علاوةً على ذلك، يؤثر المناخ المتغير على موارد المياه والزراعة، ويساهم في انخفاض إمدادات المياه. وبسبب انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجة الحرارة وما يتبع ذلك من تبخرٍ أعلى، ستكون المياه المتبقية من النيل أقل. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط يشكل خطراً على التربة الخصبة في مصر. إن تدفق مياه البحر المالحة من البحر الأبيض المتوسط إلى الداخل تؤدي إلى تملح الترية وبالتالي موت المحاصيل.
وعليه، تتمثل نقطة الخلاف الرئيسية في النزاع الحالي في السرعة التي سيتم بها ملء خزان السد، إذ تهدف إثيوبيا إلى ملئه بأسرع ما يمكن لتحقيق أقصى قدرممكن من توليد الطاقة الكهرومائية. في حين ترغب مصر في أن يتم ملء الخزان على مدى فتراتٍ زمنية أطول، كما تسعى للحصول على تطميناتٍ بأن إثيوبيا ستسمح بتدفق ما يكفي من المياه من الخزان للتخفيف من الجفاف في اتجاه مجرى النهر.
تعدّ ندرة المياه – سواء كانت حقيقية أو محتملة – أرضاً خصبة للصراع، خاصة عندما يتعلق الأمر بموارد المياه العابرة للحدود. ولعقود، حالت السياسات المائية دون التوصل إلى اتفاقٍ شامل حول كمية المياه التي يمكن أن تستخرجها كل من مصروإثيوبيا والسودان من النيل.
فقد عززت مصر، التي غالباً ما يتم تصويرها على أنها القوة المائية المهيمنة في المنطقة، موقعها المهيمن في حوض النيل من خلال الاستشهاد إلى حدٍ كبير باتفاقيات الحقبة الاستعمارية للأعوام 1902 و1929 و1959، إذ أن الاتفاقية الثنائية لعام 1959 بين مصر والسودان، على وجه الخصوص، تحابي مصر من خلال تخصيص 88% من مياه النيل لمصر وباقي الـ12% للسودان، في حين لم يتم تخصيص أي مياه لإثيوبيا – التي تعتبرمصدر غالبية المياه التي تصب في النيل.
من جهتها، تمتلك إثيوبيا إمكاناتٍ هائلة لتطوير الطاقة الكهرومائية لديها ولكنها كانت غير قادرة على تحدي مركز مصر المهيمن حتى منتصف التسعينيات بسبب عدم الاستقرار السياسي المحلي ونقص الموارد المالية والمعرفة. وبدلاً من ذلك، سلكت إثيوبيا طريق الدبلوماسية الدولية، ووضعت القضية على جدول أعمال المؤتمرات الدولية والإقليمية، كما حاولت التوصل إلى اتفاقٍ مع دول حوض النيل الأخرى، لكن مصر والسودان عرقلتا تلك المبادرات عدة مرات. أدت استراتيجية المنع هذه والموقف العام غير المتعاون إلى استياءٍ عام في إثيوبيا، ونتيجةً لذلك، قررت إثيوبيا تنفيذ مشاريع المياه من جانبٍ واحد.
السودان، من جانبه، عالقٌ في المنتصف، فعلى الرغم من انحيازه بدايةً إلى جانب مصر، إلا أنه غيّر ولاءه تجاه إثيوبيا بعد أن أدرك الرئيس السوداني السابق عمر البشير وحكومته المنافع المتبادلة للمشروع. وبمجرد البدء بملء خزان السد، سيتم تنظيم تدفق المياه، مما يقلل من الفيضانات الشديدة التي ابتلي بها السودان لعقود. ومع ذلك، على الرغم من الاعتراف بمنافع السد، إلا أن السودان قلقٌ بشأن قضايا السلامة المرتبطة بسد النهضة، إذ ينبع مصدر قلقه الرئيسي من الضرر المحتمل الذي يمكن أن يعاني منه السودان إذا فشل أو انهار سد النهضة، الواقع على بعد 40 ميلاً من الحدود مع السودان. لذلك، يسعى السودان إلى إبرام اتفاقٍ شامل بين الدول المشاطئة الثلاث.
يؤثر انعدام الثقة التاريخي على المفاوضات التي تتسم بخطاب الحرب والاتهامات المتبادلة، فقد طلبت مصر تدخل الأمم المتحدة، بينما تفضل إثيوبيا الوساطة الإقليمية من خلال الاتحاد الأفريقي، في ظل قيام الطرفان بالتهديد علانيةً باتخاذ خطواتٍ عسكرية من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى صراعٍ مسلح.
يعدّ استمرار إثيوبيا في ملء خزان السد، بدعم مصر أو من دونه، أمراً محتوماً، بينما تبرز الحاجة إلى حلٍ سلمي لتفادي العمل العسكري، إذ ينبغي أن يتم ذلك دون أن تخسر مصر وإثيوبيا على حد سواء اعتبارهما أمام مؤيديهم. وفي حال لم يتم التوصل إلى أي اتفاق، سيتعرض أمن المنطقة للخطر.