سؤال وجواب مع الدكتور الياس سلامة من الجامعة الأردن
التقى موقع فاناك حول المياه بالدكتور الياس سلامة من الجامعة الأردنية للتحدث حول الحلول الممكنة لأزمة المياه في الأردن.
يواجه الأردن تحديات متزايدة فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية. هل يمكنك تلخيص أزمة المياه في البلاد لقرائنا؟
تاريخياً، يعاني الأردن بشكل طبيعي شحاً في المياه، ذلك أنه يقع في منطقة مناخية شبه قاحلة وبالتالي يملك موارد محدودة جداً من المياه. في الماضي، عندما كان يضرب الجفاف المنطقة، كانت الناس اما تموت بسبب الجوع أو تهاجر إلى الشمال أو الشرق حيث تتوفر المياه. كانوا يحاولون التأقلم أيضاً من خلال تقنيات مثل حفر خزانات المياه، لجمع وتخزين المياه لاستخدامها في الظروف القاسية.
أما اليوم، فنحن نعيش في عالم مختلف، إذ بينما كان استهلاك الفرد الواحد للمياه يومياً ما بين 5-10 لتر في الماضي، أصبح اليوم يتجاوز الـ80 لتراً للفرد في اليوم. ولو أنّ عدد سكان الأردن تضاعف بشكل طبيعي على مدى السنوات الماضية، لما كنا نعاني حالياً من ندرة المياه. ولكن اضطر الأردن لاستيعاب موجات متعاقبة من اللاجئين منذ عام 1948: أولاً الفلسطينيين عام 1948 و1967، ومن ثم العراقيين، والآن السوريين. نتيجة لذلك، حصلت زيادة سكانية حادة (وغير متوقعة) من 450,000 نسمة عام 1945 إلى أكثر من 8 ملايين نسمة حالياً.
ومع تزايد أعداد السكان، بدأت البلاد تطوير مواردها المائية بشكل مكثف بمساعدة الخبراء التقنيين الأجانب والجهات المانحة. ونتيجة لذلك، تم استغلال الموارد المائية في الأردن إلى أقصى حد، واليوم لا توجد موارد مياه إضافية في البلاد.
خياراتنا المستقبلية محدودة: نحن نقوم بالفعل بتدوير مايقرب70% من مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية واعدة استخدام هذه المياه المعالجة في الزراعة المروية. أما المجال الثاني الذي نركز عليه يتمثل في زيادة الكفاءة في القطاع الزراعي، سواء من حيث أنظمة نقل المياه اوعلى مستوى استخدام أدوات ترشيد المياه في الري، فضلاً عن اختيار المحاصيل وطرق الري.
ومع ذلك، تم استفاذ جميع الحلول المحلية. ربما يقول البعض أن الزراعة، التي لا تزال تستهلك حوالي 60%-70% من المياه، ينبغي أن لا تعدّ جزءاً من الاقتصاد الأردني، ولكن الحقيقة مغايرة على أرض الواقع. إذ أنّ هناك اعتبارات اجتماعية واقتصادية مرتبطة بالقطاع الزراعي في الأردن وهي معقدة للغاية.
ولكن هناك أيضاً بعض المكاسب ممكن ان تتحقق من زيادة كفاءة الشبكة (شبكة توصيل المياه في الاردن): هذه المكاسب تكمن في الحدّ من التسريب وتوصيلات المياه غير القانونية.
هناك بالتأكيد مشاكل فيما يتعلق بخسارة المياه حيث تقوم الحكومة بمعالجتها. تبلغ الخسارة الحقيقية للمياه اليوم حدود الـ15%، وهي نسبة غير سيئة إذا ما تمت مقارنتها بالمعايير الدولية. لا زال أمامنا الكثير من العمل، ولكن وضعنا الحالي جيد.
تبذل الحكومة قصارى جهدها للحدّ من استخدام المياه بطرق غير قانونية، إلا أن المسألة حساسة لأن العديد من هذه الوصلات تزود المزارعين والعائلات الصغيرة بالمياه. لذا فإن إغلاق أحد هذه الآبار الصغيرة (التي تم حفرها بشكل غير قانوني)، قد يعني خسارة أحد المزارعين الصغار لقمة عيشه. تعتبر هذه من القرارات الصعبة ولكن الحكومة لا تستثني أحداً. ومع ذلك، ستستغرق هذه العملية عدة سنوات لإنهائها.
إذاً، ما هي الخيارات المستقبلية؟
على أرض الواقع، تحلية المياه هي خيارنا الوحيد. ولكن السؤال الأهم هو، أين سيتم بناء محطات التحلية: هل يتوجب أن يتم مشروع ناقل البحرين (الأحمر- الميت)، على ساحل البحر الأحمر أم البحر المتوسط؟. لا بد من النظر إلى كل من هذان الخياران ضمن السياق السياسي والاقتصادي لكل منهما. أولاً وقبل كل شيء، هناك الأمن القومي للبلاد: هل الدولة على استعداد لوضع إمدادات المياه بين يدي “عدو قديم” و”صديق حالي” أي اسرائيل؟ هذه الاعتبارات غاية في الأهمية. ولكن صدرت تعليمات للجنة الملكية للمياه من قِبل الأمير فيصل بتوليد إمدادات المياه والطاقة للبلاد من داخل البلاد.
ومع انخفاض أسعار النفط، أصبحت تحلية المياه أقل تكلفة، ولكن إلى متى؟ الطاقة الذرية من الخيارات المطروحة أيضاً، ولكن أين يتوجب بناء محطة الطاقة الذرية؟ في الشمال، أم في الجنوب أم في العقبة؟ الأمر معقد للغاية، إذ يقع الأردن في منطقة نشطة تكتونيا ويبرز دوماً خطر حدوث الزلازل.
برأيك، أين هو الموقع الأكثر جدوى لإنشاء محطة لتحلية المياه؟
بالنسبة لي، مشروع ناقل البحرين بين البحر الأحمر والميت رائع، لكنني غير متأكد ما إذا سيتم تنفيذه. يراودني شعور أن مصلحة الإسرائليين تكمن في إنشاء محطة التحلية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم نقل المياه من البحر المتوسط إلى البحر الميت أو نهر الأردن. وتكمن المشكلة هنا في أنّ الأردن لا يريد ان يضع مستقبل إمدادات المياه في أيدي أجنبية.
وسبق واقترحت بدلاً من أن تزودنا اسرائيل بالمياه المحلاة، أن تزودنا بمياه البحر وبالتالي نتولى نحن تحلية المياه. بهذه الطريقة يمكننا معالجة المياه واستخدام الطاقة المائية الناتجة عن نقل المياه إلى البحر الميت واستخدام المحلول الملحي الناتج (عن عملية التحلية) لإعادة تزويد البحر الميت بالمياه. كما يمكن تطبيق هذا على الفلسطينيين، أما فكرة تحلية الإسرائليين للمياه وبيعها للأردن غير ناجعة.
أياً كان المشروع الذي سيُقام، سواء كان مشروع “ناقل البحرين بين البحر الأحمر والميت” أو مشروع “البحر المتوسط- الميت”، لا بد من إعادة تأهيل البحر الميت