مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أسباب نفاذ المياه العذبة في غزة


بقلم: منذر شبلاق
مدير عام مصلحة بلديات الساحل في قطاع غزة

أطفال يشربون مياه صالحة للشرب في إحدى الرياض في مخيم النصيرات للاجئين بعد أن تم تركيب وحدة صغيرة لتحلية وتنقيه المياه لتوفير مياه آمنة صالحة للشرب، 2012. الصورة: مشروع مايا، تحالف أطفال الشرق الأوسط، كرياتيف كومونز بي واي/ إن سي

ازدادت أزمة المياه في غزة سوءاً وبشكلٍ مطرد خلال العقود الأخيرة. ويعتبر الحوض الساحلي، حوض المياه الجوفية الذي يمتد أسفل قطاع غزة بأكمله والساحل الإسرائيلي، المصدر الوحيد للمياه العذبة في المنطقة. وقد استنزف الجزء من الحوض الواقع أسفل القطاع بشكلٍ كبير نتيجة الاستهلاك الجائر المتواصل للمياه الجوفية.

 

وفي كل عام، يتم استخراج المزيد من المياه من حوض المياه الجوفي هذا بما يفوق تجدده الطبيعي، ونتيجة لذلك، تسربت كميات كبيرة من مياه البحر إلى المياه العذبة.

 

بالإضافة إلى ذلك، لا توجد شبكات للصرف الصحي أو محطات معالجة ملائمة في قطاع غزة، وبالتالي تتسرب مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً إلى طبقات حوض المياه الجوفية مما يسبب المزيد من التلوث للمياه الجوفية.

 

وفي الوقت الحالي، تعتبر ما نسبته 5-10% فقط من المياه في غزة صالحة للشرب. ومع ذلك، يشكل غياب المياه الصالحة للشرب تهديداً خطيراً للصحة العامة وبخاصة للفئات الأكثر عرضة للأمراض مثل الأطفال.

 الاستهلاك الجائر للمياه وتسرّب مياه البحر

تتجدد موارد الحوض الساحلي للمياه الجوفية في قطاع غزة بما يقارب 55 مليون متر مكعب من الأمطار في السنة. ولكن هذا لم يعد كافياً لتلبية الطلب المتزايد من السكان، الذين لا يملكون أي خيار آخر سوى مواصلة استخراج كميات أكبر من أي وقت مضى من المياه من حوض المياه الجوفية، الذي يعدّ مصدر المياه الوحيد بالنسبة للقطاع. هذا وتتجاوز معدلات الاستخراج اليوم 185 مليون متر مكعب سنوياً، أي أكثر من أربعة أضعاف العائد المستدام السنوي لحوض المياه الجوفية.

وفي المناطق التي تشهد استخراج كميات ضخمة جداً من المياه، تنخفض مستويات المياه بشكل كبير، فضلاً عن تسرّب مياه البحر مما يجعل المياه الجوفية أكثر ملوحة. وفي الوقت الحالي، تتجاوز مستويات الملوحة في معظم أجزاء قطاع غزة التركيزات التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية (WHO) والتي تبلغ 250 ملغم/لتر، والتي غالباً ما تكون أعلى من ذلك بكثير. ويُسبب هذا الاستهلاك المستمر للمياه الجوفية من الحوض الساحلي في القطاع أضراراً جمة على نوعية المياه في كل من اسرائيل وغزة.

وعلى أرض الواقع، بلغ الوضع خطورة واضحة، ووفقاً لتقرير التقييم البيئي في قطاع غزة الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في أيلول/ سبتمبر 2009، والذي رصد الوضع البيئي في القطاع، أوصيّ بضرورة الوقف الفوري لضخ مياه ‏الحوض الجوفي في غزة والاعتماد على مصادر مياه بديلة؛ وإلا فإن ‏استمرار استنزاف الخزان الجوفي سوف يلحق أضراراً تحتاج إلى قرون لعلاجها. ‏

 مياه الصرف الصحي غير المعالجة

بالإضافة إلى مياه البحر، تتسرب أيضاً باستمرار مياه الصرف الصحي إلى الحوض. وفي الوقت الحالي، لم يعد بإمكان محطات الصرف الصحي في القطاع التعامل مع كمية مياه الصرف الصحي المنتجة في القطاع. وعلاوة على ذلك، لا يزال الحصار الذي تفرضه اسرائيل على غزة يمنع استيراد المواد اللازمة لإصلاح وتطوير وصيانة محطات معالجة مياه الصرف الصحي والوقود اللازم لتشغيلها. نتيجة لذلك، تتسرب مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى حوض المياه الجوفية. وقد أدى هذا في المقابل إلى ارتفاع حاد في مستويات النترات في المياه الجوفية، مع قيم تصل إلى 150-200 ملغ/لتر في أجزاء كثيرة من قطاع غزة، أي أعلى بكثير من الحدّ المسموح به من قِبل منظمة الصحة العالمية والبالغ 50 ملغ/لتر. كما يتفاقم تلوث حوض المياه الجوفية بسبب تسرب المبيدات الزراعية والأسمدة.

 جودة مياه الشرب في غزة

وفي الوقت الراهن، يوافق ما نسبته 5-10% فقط من المياه التي يتم تزويدها إلى المنازل من خلال شبكات البلدية في غزة، معايير مياه الشرب الدولية. ويشتري معظم سكان غزة المياه من محطات تحلية صغيرة يُديرها أفراد من القطاع الخاص، إذ تعمل محطات التحلية هذه على تنقية المياه المالحة من الآبار وبيعها بواسطة صهاريج المياه المتنقلة أو القوارير. ومن الجدير بالذكر أنّ هناك ما لا يقل عن 140 محطة خاصة لتحلية المياه في قطاع غزة، والتي تنتج حوالي 5,000 متر مكعب/يومياً من المياه العذبة. وهناك أيضا ما يقدر بـ20,000 محطة تحلية منزلية. ولكن بما أن هذا القطاع غير منظم، تبرز مخاوف بشأن نوعية المياه الموزعة من هذه المحطات.

 

تعتبر المياه المحلاة بسعر 50 شيكل/متر مكعب (أي حوالي 13 دولار/متر كعب) باهظة الثمن، مما يشكل عبئاً مالياً إضافياً على العديد من الأسر، حيث يضطر أولئك الذين لا يقدرون على تحمل هذه النفقات إلى اللجوء إلى مصادر بديلة التي قد تكون غير آمنة. بالإضافة إلى ذلك، تشغل مصلحة بلديات الساحل تسع محطات عامة لتحلية المياه والتي تنتج 10,000 متر مكعب/ يومياً من المياه. وفي بعض الأحيان، تتعرض محطات تحلية مياه البحر هذه للإعاقة بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي يمنع استيراد قطع الغيار والمواد الكيميائية اللازمة لمعالجة المياه مثل الكلور، فضلا عن إمدادات الكهرباء المتقطعة وغير المنتظمة.

الاجراءات الواجب اتخاذها

يجب على جميع الأطراف التحرك فوراً لوقف التدهور المتواصل في الحوض الساحلي وإيجاد مصدر بديل للمياه الصالحة للشرب للسكان في غزة. كما يتوجب على إسرائيل إنهاء حصارها على قطاع غزة في الحال، والذي يُفاقم الوضع المائي سوءاً ويسبب كارثة بيئية وإنسانية. فضلاً عن ذلك، يتعين على السلطات الفلسطينية تنظيم الآبار غير المرخصة، والسيطرة على حفر الآبار الجديدة، والتأكد من أن جميع المياه، سواء المقدمة علناً أو سراً، تطبق معايير الجودة لمنظمة الصحة العالمية.