تتمثل موارد المياه العذبة الرئيسية في إسرائيل في بحيرة طبريا، ونهر الأردن، والخزان الجوفي الساحلي، والخزان الجوفي الجبلي (الخريطة 1). وما تزال المياه السطحية والمياه الجوفية هما المصدران الرئيسيان لإمدادات المياه.[1] ومع ذلك، فتؤذْن التطورات الحديثة في مجال تحلية المياه وتكنولوجيا إعادة استخدام المياه العادمة بالانتقال من الاعتماد على موارد المياه الطبيعية إلى الموارد البديلة، مما سيمكّن إسرائيل من تلبية الطلب على المياه في المستقبل وحماية مواردها المائية الطبيعية.
تمتلك إسرائيل عديداً من الخزانات الجوفية، أكبرها الخزانان الجوفيان الجبلي والساحلي. لكن لديها كذلك مزيداً من الخزانات الجوفية الصغيرة مثل خزان الجليل الغربي، وخزان وادي عربة والنقب، وخزان جبال الكرمل، وخزان الجليل الأعلى.
المياه السطحية
بحيرة طبريا
تقع بحيرة طبريا في غور الأردن في شمال شرق إسرائيل. وهي على ارتفاع 213 متراً تحت مستوى سطح البحر، ما يجعل بحيرة طبريا أخفض بحيرة للمياه العذبة في العالم. تأتي مياه بحيرة طبريا بشكل رئيسي من الأمطار والثلوج التي تهطل على الجليل الأعلى ومرتفعات الجولان. تُعدّ البحيرة خزاناً تشغيلياً ومصدراً لإمدادات المياه للشبكة الوطنية. وقد كانت تزود إسرائيل بنحو ربع الكمية السنوية التي تستهلكها من المياه.
قد كانت بحيرة طبريا سبباً للنزاع العسكري بين إسرائيل وسوريا الذي اشتُهر باسم “النزاع المائي”. واليوم، تمدّ البحيرة إسرائيل بنحو 2-13% فحسب من إجمالي استهلاكها من المياه. ويرجع هذا إلى انخفاض منسوب المياه بعد سنوات متتابعة من الجفاف، فضلاً عن تأسيس محطات عديدة لتحلية المياه على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويُراقب منسوب المياه في البحيرة بصورة يومية. فإذا كان المنسوب منخفضاً أكثر مما ينبغي، يُمنع ضخ المياه خوفاً من تدمير النظام البيئي أو الإضرار بجودة المياه.
في 2023، قد أكملت إسرائيل مشروع الضخ العكسي للناقل الوطني. وكان الناقل الوطني للمياه يوصّل المياه منذ عقود من بحيرة طبريا شمالاً إلى المستهلكين جنوباً. لكن هذا سيتغير بعد استكمال “الناقل الوطني الجديد للمياه” الذي سينقل المياه من محطات تحلية المياه في وسط إسرائيل ليضخها في بحيرة طبريا. ومن المتوقع أن يحافظ المشروع على استقرار منسوب المياه في البحيرة، وتوصيل كمية كبيرة من الماء إلى الأردن، علاوة على تحقيق الأمن المائي لإسرائيل.
نهر الأردن
يستمد نهر الأردن مياهه من ثلاثة روافد رئيسية هي: نهر بانياس في مرتفعات الجولان، ونهر دان في إسرائيل، ونهر الحاصباني في لبنان. ويبلغ طول النهر 360 كلم، حيث يتدفق النهر جنوباً مروراً ببحيرة طبريا ثم يصبّ في البحر الميت. وينقسم النهر إلى جزئين: نهر الأردن العلوي (بدايةً من التقاء أنهار بانياس ودان والحاصباني حتى بحيرة طبريا) ونهر الأردن السفلي (من بحيرة طبريا حتى البحر الميت).
وقد تسبب بناء السدود ومشاريع تحويل المياه على حوض نهر الأردن في انخفاض بنسبة 96% في تدفق نهر الأردن السفلي. كما أن هذه المياه ملوثة للغاية ومالحة بسبب مياه الصرف، وينابيع المياه المالحة، ومياه الجريان السطحي الآتية من الحقول الزراعية. وقد أدّى ذلك إلى فقدان نصف التنوع البيولوجي في المنطقة، وتعرّض البقية إلى خطر الانقراض. فضلاً عن أن النهر لم يعد يؤدِّ المهام البيئية التي كان يؤدّيها في الماضي. كما كان لانخفاض تدفق نهر الأردن السفلي أثراً مباشراً على منسوب البحر الميت الذي خسر نسبة هائلة من مساحة سطحه.
نهر اليرموك
ينبع نهر اليرموك، الرافد الرئيسي لنهر الأردن، من سوريا ويصب في نهر الأردن السفلي. ويغطي حوض نهر اليرموك مساحة تُقدر بنحو 7,000 كيلومتر مربع، وتتشاركه كل من إسرائيل والأردن وسوريا. وقد انخفض التدفق السنوي للنهر انخفاضاً حاداً على مدى العقود الماضية من نحو 450-500 مليون متر مكعب إلى 40 مليون متر مكعب. وذلك بسبب الإفراط في بناء السدود في سوريا، وضخ المياه الجوفية من الأجزاء العلوية من الحوض في إسرائيل والأردن وسوريا. كما يحوّل الأردن جزءاً من تدفق النهر عبر قناة الملك عبد الله لأغراض الري في منطقة شرق غور الأردن.
وتُوجد أنهار صغيرة عديدة في إسرائيل، مثل نهر المقطّع (كيشون) ونهر العوجا (اليركون) اللذين لم يُذكرا بتفصيلٍ في هذا التقرير.
المياه الجوفية
الخزان الجوفي الساحلي
الخزان الجوفي الساحلي هو كتلة مياه عذبة ليست بعيدة عن سطح الأرض وتمتد بطول السهل الساحلي من جبال الكرمل شمالاً إلى قطاع غزة جنوباً (الخريطة 2). وقد تعرّض الخزان الجوفي في السنوات الأخيرة للتلوث من تسرّب الكيماويات الزراعية مثل الأسمدة ومبيدات الآفات. كما ازداد عرضةً لتسرّب مياه البحر إليه نتيجةً للضخ الجائر.
ووفقاً لوحدة الخدمات الهيدرولوجية الإسرائيلية، فإن نحو 15% من المياه التي تُضخ من الخزان الجوفي الساحلي لا تفي بمعايير مياه الشرب لتركيز الكلوريد والنترات. كما أن كثيراً من الآبار تلوثها المخلفات الصناعية، ومياه الجريان السطحي المحمّلة من الحقول بمبيدات الآفات والأسمدة، علاوة على حمأة الصرف الصحي. ونتيجةً لذلك، فإن ما يزيد عن 40% من الآبار التي حُفرت عام 1980 لم تعد مستخدمة.
والوضع أسوأ من ذلك في الأجزاء التي تقع تحت قطاع غزة من الخزان الجوفي الساحلي. فنحو 96% من مياه غزة الجوفية غير صالحة للشرب بسبب الضخ الجائر وتسرّب مياه البحر. وتُقدّر مساهمة الخزان الجوفي الساحلي في قطاع المياه الإسرائيلي في المتوسط بنحو 240-300 مليون متر مكعب سنوياً.[2]
الخزان الجوفي الجبلي
إن الخزان الجوفي الجبلي (الخريطة 2) هو أكبر خزان جوفي في إسرائيل من حيث إمدادات المياه وجودتها. ورغم أن كمية المياه الآمنة للسحب من الخزان تبلغ 360 مليون متر مكعب في السنة، فإن ما يُسحب منه حالياً يصل إلى نحو 600 مليون متر مكعب سنوياً، وهو ما يعادل ثلث إجمالي استهلاك إسرائيل من المياه العذبة. ومع توقع زيادة الاعتماد على تحلية المياه في المستقبل، فمن المرتقب أن يقلّ استهلاك المياه من الخزان الجوفي الجبلي.
وتقع تحت كتلة المياه العذبة في الخزان كتلة أخرى من المياه المالحة. ولذلك فمن الممكن أن تتسرّب المياه المالحة إذا ما زاد استهلاك المياه الجوفية. وقد لوحظت هذه الظاهرة في الحوض الشمالي نتيجة الضخ الجائر للآبار الواقعة عند سفح سلسلة الجبال. إلا أن الاعتماد على تحلية المياه قد أدّى إلى استرداد جميع مناسيب المياه الجوفية في إسرائيل. وتحافظ سلطة المياه الإسرائيلية اليوم على تلك المناسيب في الحدود المرجوة.
وعلى الرغم من جودة المياه الطبيعية في الخزان الجوفي الجبلي، فإنها ما تزال عرضةً للتلوث من التربة والمياه. كما أن الوصول إلى مياهه صعب نسبياً مقارنةً بمياه الخزان الجوفي الساحلي أو بحيرة طبريا. ويمتد الخزان الجوفي الجبلي تحت مناطق إسرائيلية وأخرى تحت إدارة السلطة الفلسطينية، ما يزيد إدارة الخزان تعقيداً.
موارد المياه غير التقليدية
تحلية المياه
نظراً إلى نقص المياه الطبيعية الدائم في إسرائيل، تُعتبر المياه المحلاة مصدراً مهماً في اقتصاد المياه. وتمتلك إسرائيل خمس محطات لتحلية المياه تمدّ البلاد بنصف استهلاكها من مياه الشرب. ويمكن النظر في قسم “البنية التحتية للمياه في إسرائيل” للاطّلاع على مزيد من المعلومات عن تحلية المياه.
المياه العادمة
تُعدّ إعادة استخدام المياه العادمة مصدراً هاماً للمياه المستخدمة في الزراعة في إسرائيل. وتُعرف المياه العادمة التي تُعالج وتُستخدم في الري باسم المخلفات السائلة. ويشكّل معدّل استخدام المخلفات السائلة في إسرائيل أحد أعلى المعدلات في العالم. وتجري معالجتها عبر عشرات من محطات معالجة المياه العادمة التي توفّر ما يزيد عن 660 مليون متر مكعب في السنة. وتمثّل هذه الكمية نحو 50% من إجمالي الطلب على المياه في قطاع الزراعة، ونحو 25% من إجمالي الطلب على المياه في إسرائيل. [1] [3]
تتولى شركة ميكوروت الوطنية للمياه، وشركات خاصة أخرى، مهمة جمع مياه الصرف المنزلي ومعالجتها. إن محطات المعالجة الخاصة عادةً ما تخدم في المجتمعات الصغيرة النائية، بينما تعالج شركة ميكوروت مياه الصرف في التجمعات الحضرية الكبيرة. وتهدف إسرائيل إلى مضاعفة كمية مياه المخلفات السائلة المعالجة المستخدمة في القطاع الزراعي بحلول عام 2050. ورغم مساهمة مياه المخلفات السائلة في زيادة إمدادات المياه في الشبكة الوطنية، فإنها قد تتسبب في أضرار بيئية مثل انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، ومخاطر التلوث عبر الترشيح، وتسرّب المواد السامة والمواد الصيدلانية.[3] [4]
وقد أظهر بحث جديد أن معالجة المياه المستعملة لا يمكن اعتبارها حلاً احتياطياً في حالة انخفاض توافر المياه، وذلك لأن نسبة عالية من المياه العادمة تجري بالفعل معالجتها وإعادة تدويرها، فضلاً عن الحث على ترشيد استهلاك المياه.[5] وهذا يوحي بأن زيادة الاعتماد على معالجة المياه المستعملة لن تكون في مركز استراتيجية إسرائيل المستقبلية لإدارة المياه.
السياق السياسي
نظراً إلى طبيعة المناخ السياسي في الشرق الأوسط، فإنه من المستحيل مناقشة المياه في المنطقة من دون التطرق إلى السياق السياسي الذي شكّل توافرها. ويمكن تتبع جذور الصراع على المياه في إسرائيل إلى عهد الانتداب البريطاني (1923-1948) عندما قد كلّفت الحكومة البريطانية عالِم الهيدرولوجيا مايكل أيونيدس بدراسة الموارد المائية وإمكانيات الري في حوض غور الأردن. وقد كانت تلك الدراسة المرجع الرئيسي لخطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947 التي أوصت بتقسيم فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولة يهودية وأخرى عربية.
وفي أعقاب حرب 1948 وإقامة دولة إسرائيل، قد دشنت الحكومة الجديدة مشروعاً لتحويل مياه نهر الأردن إلى منطقة النقب جنوب البلاد عبر الناقل الوطني للمياه. وقد بدأ بناء الناقل الوطني للمياه عام 1953، ثم توقّف لاحقاً بعد اعتراض دول عربية على المشروع. وفي عام 1955، قد قدّمت الولايات المتحدة خطة جونستون في محاولة منها لحلّ النزاع. وحددت الخطة حصص توزيع المياه للبلدان التي تتشارك حوض نهر الأردن (أي إسرائيل والأردن ولبنان وسوريا في ذلك الوقت). لكن الخطة لم تلق القبول، ولذلك بدأت كل دولة تتصرف على حدة.[6]
وفي عام 1964، قد بدأت سوريا تشييد سدود لتحويل المياه من نهريّ بانياس ودان في مرتفعات الجولان. وهو ما اعتبرته إسرائيل تهديداً لمواردها المائية، لذلك أقدمت على تدمير السدود. ويرى بعض الباحثين أن هذا كان أحد الأسباب التي أشعلت فتيل حرب 1967 والتي انتهت باستيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان، ومن ثمّ موارد المياه في تلك المناطق.
وقد سيطرت إسرائيل عسكرياً على الضفة الغربية وقطاع غزة بعد احتلالهما، وفرضت قيوداً مشددة على الموارد المائية الفلسطينية. فقد حوّلت ضفاف نهر الأردن إلى منطقة عسكرية مغلقة، وحرمت الفلسطينيين من المصدر الوحيد للمياه السطحية في الضفة الغربية. كما قد سنّت إسرائيل عدداً من القوانين التي تقيّد وصول الفلسطينيين إلى المياه، وانتزعت السيطرة من الفلسطينيين على مصدر المياه الجوفية الوحيد في المنطقة: الخزان الجوفي الجبلي. وقد منحت اتفاقيتا أوسلو لعامي 1993 و1995 الأمل للفلسطينيين باستعادة السيادة على مواردهم المائية. ومع ذلك، فإن الخطوط العريضة للاتفاقيتين لم يُصدّق عليهما بالكامل بعد.
وما زالت إسرائيل تسيطر على غالبية موارد المياه الفلسطينية حتى اليوم، بما في ذلك السيطرة الكاملة على الخزان الجوفي الجبلي في الضفة الغربية. ويحصل الفرد الفلسطيني في المتوسط على 60-90 لتراً من المياه يومياً، أي أقل من المستوى الأدنى الذي حددته منظمة الصحة العالمية عند 100 لتر في اليوم.
تتدهور جودة المياه وكميتها في إسرائيل وفلسطين تدهوراً مطّرداً منذ بداية الاحتلال. كما أن موارد المياه الطبيعية في المنطقة لا يتم تشاركها بإنصاف، فضلاً عن كونها عرضةً لخطر التدهور المستمر أو فقدانها كلياً بسبب فرط الاستهلاك والتلوث. [7]
وتعتبر إسرائيل أن احتلالها لمرتفعات الجولان مهم لأمنها المائي. فمياه الأمطار التي تُصرف من هضبة الجولان تُعد من موارد المياه الرئيسية لأكبر خزان للمياه العذبة في إسرائيل: بحيرة طبريا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نهر بانياس ينبع من مرتفعات الجولان، وهو أحد روافد نهر الأردن، وهو مصدر مهم للمياه بحد ذاته، كما أنه يصبّ في بحيرة طبريا.[8] وما تزال الطبيعة المشتركة لموارد المياه العذبة، والتدهور المستمر الذي تتعرض له مصدر قلق في المنطقة وقضية رئيسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
[1] Kramer, I., Tsairi, Y., Roth, M.B., Tal, A. and Mau, Y., 2022. ‘Effects of population growth on Israel’s demand for desalinated water.’ npj Clean Water 5, 67.
[2] Israel Water Authority, 2018. Hydrological data Mountain Aquifer.
[3] Tenne, A., 2010. Sea Water Desalination in Israel: Planning, Coping with Difficulties, and Economic Aspects of Long-term Risks. Israel Water Authority – State of Israel Desalination Division.
[4] Roth, M.B. and Tal, A, 2022. ‘The ecological tradeoffs of desalination in land-constrained countries seeking to mitigate climate change.’ Desalination 529, 2022, 115607.
[5] Luckmann, J., Grethe, H. and McDonald, S., 2016. ‘When water saving limits recycling: Modelling economy-wide linkages of wastewater use.’ Water Research 88: 972-980.
[6] Salem, H.S. and Isaac, J., 2007. ‘Water agreements between Israel and Palestine and the region’s water argumentations between policies, anxieties and unsustainable development.’ A keynote paper presented at the International Conference on Green Wars: Environment between Conflict and Cooperation in the Middle East and North Africa (MENA). Beirut, Lebanon, November 2-3, 2007.
[7] Amnesty International, 2017. ‘The occupation of water.’ Published on 29 November 2017.
[8] Inbar, E., 2011. ‘Israeli control of the Golan Heights: High strategic and moral ground for Israel.’ Mideast Security and Policy Studies No. 90.