مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تعرف على النّاشطين العراقيين الذين يدافعون عن البيئة

مستنقع شبيش ، العراق
صورة 1: مستنقع شبيش ، العراق. إن تغير المناخ يهدد الاستقرار الهش للعراق، ويمكنه القضاء على ما تبقى من الثقافة والأهوار السومرية. (المصور: أريانا باجاني)

بقلم: سارة مانيسيرا

المُراجع: جوليان سخلينجر

تميز عام 2018 بالجفاف الشديد في العراق، البلد الذي كان غنياً بالمياه سابقاً. ومع ذلك، فإن أزمة المياه معقدة، ولها أسبابٌ متعددة وتُنذر باحتمالات نشوب صراعاتٍ في المستقبل. وفي ظل هذه الأوضاع، تحاول مجموعة من الناشطين العراقيين الشباب رفع الوعي حول هذه القضية.

يؤمن النّاشطون العراقيين أن خلق عراقٍ آخر أمرٌ ممكن. فالنّاشطون الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و29 عاماً أعضاءٌ في منظمات المجتمع المدني المختلفة. هدفهم؟ يتمثل في الدفاع عن نهري دجلة والفرات وأهوار بلاد الرافدين ،التي يقومون هم نفسهم بريّها، وتجنب النزاعات الإقليمية حول المياه. يعدّ تغير المناخ والجفاف والافتقار إلى سياسات داخلية في مجال المياه وبناء السّدود عند المنبع، مثل سد إليسو في تركيا وسد داريان‎ في إيران، من بين أكثر التهديدات إلحاحاً.

وبحسب ما قاله سلمان خيرالله (28 عاماً)، وهو منسق حملة المجتمع المدني للتوعية، أنقذوا دجلة والأهوار العراقية: “المياه حقٌ للجميع.” تم إطلاق الحملة في مارس 2012 من قبل تحالفٍ من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية لحماية التراث الثقافي والموارد المائية في بلاد الرافدين من تأثير السدود ولجذب الانتباه الدولي إلى قضية الموارد المائية في العراق. كما قال خير الله خلال مهرجان الأهوار، الذي نظمته منظمات المجتمع المدني في يونيو 2019 في الجبايش في أهوار بلاد الرافدين، قلب ما يُسمى بالهلال الخصيب: “نحن بحاجة أيضاً إلى رفع الوعي حول القضايا البيئية داخل بلدنا لأن حكومتنا لم تحرك ساكناً.”

كان يرافقه مجموعة من ثلاثين ناشطاً من جميع أنحاء البلاد. بعضهم أعضاء في المنتدى الاجتماعي العراقي وشبكة الناشطين العراقيين، وكلاهما مبنيان على مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي (ICSSI)، والبعض الآخر جزءٌ من الرياضة ضد العنف، وهي حملة مستمرة لتعزيز السلام والحوار من خلال الرياضة. كما حضر الناشطون الإعلاميون وعلماء الآثار ومحامو حقوق الإنسان والمهندسون والمتطوعون والفنانون مثل رشاد سليم، وهو فنان ومصمم عراقي- بريطاني يمتلك اهتماماً خاصاً بتاريخ وثقافة الأهوار المدركة وغير المدركة. حضر رشاد سليم المهرجان لتقديم مشروع السفينة، خطته الطموحة الرامية إلى إحياء الحِرف والقوارب العراقية القديمة. يؤمن سليم أن هناك صلةً ما بين الحِرف اليدوية والبيئة، وأن حماية البيئة يمكن أن تحافظ على الثقافة العراقية.

وبحسب ما قاله سليم، الرجل الملتحي في الخمسينيات من عمره، أثناء جلوسه في بيت الضيافة، المضيف، التقليدي المُشيّد من القصب والحبال،”إذا لم تكن هناك أهوار، فلن يكون هناك سومريون. بدون أنهار، لن تكون لدينا هذه الحضارة – ليس بسبب الماء ولكن بسبب طريقة نقل الأشياء، ليكون هناك تواصل بين الناس. هذا ما يجعل هذا المكان فريداً من نوعه.”

يشاركه الرأي علي الخركي (29 عاماً)، مؤسس حماة دجلة، وهي جمعية محلية تسعى لحماية التراث الطبيعي والثقافي المرتبط بنهر دجلة، وبحسب قوله، “لولا هذه البيئة، لما كانت لدينا الحضارة السومرية ، واحدة من أولى الحضارات في العالم. تتعرض الأهوار العراقية لخطرٍ اليوم، إلا أن هذه ليست مشكلة عراقية فحسب، إذ يجب اعتبار هذا مشكلة دولية لأن الجميع سيفقدون تراثاً بيئياً وثقافياً فريداً.”

ومن الجدير بالذكر أنه تم إدراج أهوار العراق على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2016، بعد سنواتٍ من الحملات التي قامت بها مؤسسة أنقذوا دجلة والأهوار العراقية. وعلى الرغم من هذا الاعتراف، الذي تحمي فيه المواقع المُدرجة بموجب المعاهدات الدولية، إلا أن مستوى المياه في الأهوار لا يزال منخفضاً إلى حدٍ كبير، ولا يزال الإهمال الحكومي مستمراً، كما دمرت فترات الجفاف الشديد ما كان يُعتبر في السابق جنّة عدن.

وكما أوضح جاسم الأسدي، مدير منظمة طبيعة العراق في الجبايش، فإن سبل عيش شعب المعدان، أو عرب الأهوار، تعتمد بالكامل على جواميس الماء، “يعتمد الناس على جواميس الماء بالكامل. في العام الماضي، توفي المئات من الجواميس بسبب نقص المياه والتلوث. إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال، فسيضطر السكان المحليون خلال عشر سنوات إلى الهجرة.”

منتدى المياه الأول في منطقة وادي الرافدين
الصورة 1: صورة جماعية للمشاركين في المنتدى بعد الإعلان عن بيان المنتدى. ( المصدر: Save Tigris / Facebook)

الماء كأداة سلامٍ وليس حرب

بالإضافة إلى العواقب البيئية المتعلقة بندرة المياه، يخشى الناشطون أن يتم استخدام المياه كأداةٍ للحرب، مما يهدد استقرار المنطقة ويؤدي إلى نزاعاتٍ وصراعاتٍ في المستقبل القريب. لتفادي ذلك، نظمت العديد من منظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء بلاد الرافدين منتدى المياه الأول في منطقة وادي الرافدين في كردستان العراق في أبريل الماضي، مما جذب أكثر من 180 ناشطاً في مجال المياه من تركيا والعراق وإيران وسوريا إلى هذا الحدث الذي استمر على مدار ثلاثة أيام.

“إن مشكلة المياه في العراق لها بعدان،” أوضح إسماعيل داود، وهو ناشط عراقي يعمل في منظمة جسر إلى (Un Ponte Per)، وهي منظمة إنسانية مقرها إيطاليا تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العراقية الأولى في عام 1991. وأضاف “من ناحية، الإدارة الداخلية للمياه سيئة للغاية. ويشمل ذلك العديد من العناصر، مثل الافتقار إلى أساليب الري التكنولوجية والحديثة وعدم وجود قروض لتشجيع المزارعين على التحول من المحاصيل التي تتطلب الكثير من المياه. ومن ناحيةٍ أخرى، تبرز مشكلة ضعف العلاقات الدولية. كما أن 70% من المياه في العراق تسيطر عليها إيران وتركيا. يسيطر جيراننا على السدود والروافد، ويغيرون اتجاهها كابتزازٍ سياسي. الحكومة العراقية ضعيفة لدرجة أنها لا تستطيع إعطاء أولوية لقضية المياه على جدول أعمالها الدولي. ومع ذلك، في كلا البعدين، يتم استخدام المياه كأداة سياسية من قبل تركيا وإيران ضد السكان المحليين الذين يعيشون في العراق وسوريا وتركيا وإيران. هذا الماء ملك للجميع. يجب أن تكون المياه أداة للسلام المُستدام، وليست سلاحاً للهيمنة السياسية، لأنها ستسبب المزيد من الحروب والصراعات.”

جيلٌ جديد من الناشطين

يقع مقر مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي في شقة عادية في حي الكرادة ببغداد التي تم تحويلها إلى مساحة عمل مشتركة لمختلف الناشطين. فقد ولدت مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي من التحالف العالمي الذي نظم في 15 فبراير 2003 أكبر مظاهرةٍ ضد الحرب في العراق ورافق المجتمع المدني الناشىء في جهوده لإحداث التغيير على مدار العقد الماضي.

اليوم، معظم أعضاء التحالف من جيل الألفية، فهم يرفضون الانقسامات الطائفية التي غذت عقوداً من العنف، وغير راضيين عن نظامٍ سياسي لا يشعرون بأنه يُمثلهم. علاوةً على ذلك، فإن ما يقرب من نصف السكان تقل أعمارهم عن 21 عاماً ومعدلات بطالة الشباب مرتفعة. ونتيجةً لذلك، لا يرى العديد من الشباب خياراتٍ أخرى سوى الهجرة أو اللجوء إلى الميليشيات التي توفر عملاً مدفوع الأجر.

“لا أريد أن أغادر،” هذا ما قالته هدى جبار، وهي ناشطة في بغداد تبلغ من العمر 29 عاماً: “إذا ما غادر الجميع، فمن يبقى لتغيير العراق؟”. وأضافت، “القتال من أجل البيئة ليس شائعاً في العراق. إنه أمرٌ جديد، وبشكلٍ عام يعتقد الناس أن لا شيء سيتغير. أخشى أن الحروب القادمة ستشتعل بسبب الماء، ولهذا السبب أعتقد أنه يتعين علينا البقاء لإحداث تغيير.”

بعد خمسة عشر عاماً من غزو الولايات المتحدة للعراق والدخول في دوامةٍ من التمرد والحرب، يبدو أن الاضطرابات بدأت أخيراً في التراجع وباتت البلاد تشهد نهضةً اجتماعية. وكما أوضحت مارتينا بيجناتي مورانو، رئيسة مشاريع بناء السلام في منظمة جسر إلى “في السنوات الأخيرة، شهدنا ظهور حركة وطنية أنشأها نشطاء شباب من المناطق المتأثرة بالحرب. تتوقع أن يشعروا بخيبة أمل، لكن بدلاً من ذلك يحذوهم الكثير من الأمل.” وتابعت القول، “علمنا هؤلاء الفتيان والفتيات أن بإمكانهم تنظيم أنفسهم في مدنٍ مختلفة في عملية وحدوية مثل المنتدى الاجتماعي العراقي.”

بيد أنه ليس من السهل أن تكون ناشطاً في العراق. ففي العام الماضي، قمعت قوات الأمن بعنفٍ الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالخدمات الأساسية والكهرباء والمياه في البصرة والنجف ومدنٍ أخرى في الجنوب، الذي لم يشهد أي تنميةٍ كبيرة. تعرض العديد من المحتجين ومناصري حماية البيئة والصحفيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان للاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل على أيدي قوات الأمن والميليشيات، وفقاً لتقريرٍ نشر في ديسمبر 2018 من قبل مركز وقف إطلاق النار لحقوق المدنيين والمجموعة الدولية لحقوق الأقليات. ورغم أن دستور العراق لعام 2005 يعترف بدور المجتمع المدني ويضمن حرية التعبير، إلا أنه لا يوجد قانونٌ محدد يحمي المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين.

وقالت تبارك رشيد (25 عاماً)، الناشطة والعضو في أمانة مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي: “في العراق لدينا الكثير من المشاكل التي يتعين حلها، لكني أعتقد أنه ينبغي أن تكون حماية المياه والمرأة على قائمة الأولويات.” وأضافت “وأعتقد أن الاحتجاجات السلمية وحملات المجتمع المدني يمكن أن تساعدنا في الدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة الحق في الماء.”

على الرغم من أن العراق لا يزال يواجه تحدياتٍ كبيرة، بما في ذلك الصراعات السياسية والطائفية والقبلية التي تغذي انتشار التطرف، إلا أن البلاد تشهد انبعاثاً جديداً. ومع ذلك، لا يزال يتعين عمل الكثير لحماية وتعزيز حقوق الإنسان للجميع – بما في ذلك الحق في الماء – إلا أن عراقاً آخر بات ممكناً. في الواقع، أصبح اليوم في طور التكوين بالفعل.

على الرغم من أن العراق لا يزال يواجه تحدياتٍ قاسية – بما في ذلك النزاعات السياسية والطائفية والقبلية التي غذت انتشار التطرف – إلا أن البلاد تشهد انبعاثاً جديداً. ينبغي القيام بالكثير لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها للجميع، إلا أن عراقاً آخر بات ممكناً. في الواقع، أصبح موجوداً بالفعل.

user placeholder
written by
Mohammed Abdullatif
المزيد Mohammed Abdullatif articles