ستشكل إمدادات المياه والأمن الغذائي تحدياً كبيراً في السنوات المقبلة، فقد أدى كل من الوضع المناخي الطبيعي في البلاد وسياسات الحكومة في إدارة مواردها المائية المحدودة على مدى العقود القليلة الماضية، إلى تفاقم هذا التحدي.
العوامل الناجمة عن المناخ
في الخمسين عاماً الماضية، واجهت إيران حالات جفاف شديدة وطويلة الأمد، مما هدد بشكلٍ كبير توافر المياه في جميع القطاعات. ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة مخاطر الجفاف في بعض أجزاء البلاد والتسبب في حدوث فيضانات في مناطق أخرى. حدث أكبر فيضان في تاريخ إيران الحديث في أبريل 2016، عندما فاض نهر قارون في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية. [1]
تقع إيران داخل الحزام الجاف من العالم، حيث بلغ هطول الأمطار السنوي 228 ملم عام 2017. [2] تعتبر هذه القيمة المتوسط منذ عام 1994، وهي أقل بنسبة 6% من المتوسط طويل المدى، وهو 242 ملم/ السنة. حدث انخفاض مماثل في متوسط الجريان السطحي حيث بلغ 52 مليار متر مكعب وأقل بنسبة 42% من المتوسط طويل الأجل. [3] توزيع هطول الأمطار غير متساو في جميع أنحاء البلاد، ويسقط أقل هطول للأمطار في أكثر المناطق كثافة سكانية (الخريطة 1).
علاوةً على ذلك، انخفض تدفق الأنهار بشكلٍ ملحوظ خلال العشرين عاماً الماضية إذ بلغ 53 مليار متر مكعب خلال الفترة من عام 2005 إلى 2013، أي أقل بنسبة 42% من الـ89 مليار متر مكعب من مياه التدفق طويلة الأمد للأنهار في إيران. [4]
الخريطة (1): توزيع هطول الأمطار (بالملليمتر) عبر 31 محافظة إيرانية. تشير الأرقام إلى مجموعات سكانية مختارة بملايين الأشخاص (المصدر: Niloofar Sadeghi).
العوامل الناجمة عن السياسات الإدارية
منذ ثمانينات القرن الماضي وإدخال السياسة الحكومية لتصبح البلاد مكتفية ذاتياً في إنتاج القمح، شرعت الحكومة بتنفيذ استثمارات ضخمة لبناء السدود على الأنهار الرئيسية و توسيع مساحة الأراضي المزروعة. نتيجةً لذلك، تم تطوير العديد من مشاريع الزراعة المروية على نطاقٍ واسع، و بناء السدود على أنظمة الأنهار الرئيسية. وفي عام 2004، أعلنت إيران أنها و لأول مرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أصبحت ذات اكتفاء ذاتي في إنتاج القمح. [5]
وعلى الرغم من أنّ هذه السياسة جلبت مزيداً من الاستقرار السياسي، إلا أنه كان لها تأثير لا رجعة فيه على استدامة الموارد المائية المتجددة في البلاد و التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
تمثلت العاقبة الأكثر أهمية لهذه السياسة في الأفراط في استغلال موارد المياه الجوفية و السطحية لزيادة الأراضي المزروعة. فقد كان غالباً ما يتم تحويل المياه من الأنهار دون الأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من الحاجة البيئية. وقد عرضت هذه المياه المحوّلة بسعر مخفض للمزارعين في مقابل جزء صغير من مبيعات منتجاتهم الزراعية. علاوة على ذلك، يعتبر تحويل مجاري الأنهار وتجفيف الأراضي الرطبة الناتج عن بناء السدود من قبل إيران وجيرانها، مثل مشروع جنوب شرق الأناضول التركي (GAP)، من الأسباب الرئيسية لتزايد العواصف الرملية في إيران. [6]
كما قدمت الحكومة الأسمدة و المبيدات الحشرية المدعومة لتحسين المحاصيل الزراعية، مما تسبب في تلوث التربة و المياه على نطاق واسع. وعلاوة على ذلك، خلال العقود الثلاثة من عام 1980 إلى عام 2010، ارتفع عدد التراخيص الصادرة لحفر الآبار بشكلٍ كبير، مما أدى إلى الإفراط في استغلال موارد المياه الجوفية للأغراض الزراعية، و جعل الزراعة تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه الجوفية. وحتى اليوم، يواصل المزارعون حفر الآبار غير القانونية، و التي تمثل ما نسبته 40% من جميع الآبار في البلاد [7].
ومع ذلك، يمكن تلخيص التحديات الأساسية على النحو التالي:
1- انخفاض كفاءة استخدام المياه الزراعية
يتمثل التحدي الأكبر في قطاع المياه في إيران في انخفاض كفاءة استخدام المياه من قِبل قطاع الزراعة، المستهلك الأكبر (الشكل 3). وتمثل الزراعة 9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي إلا أنها تستهلك أكثر من 90% من المياه في البلاد [8] [9]. يتألف نمط زراعة المحاصيل غالباً من المحاصيل ذات معدلات استهلاك كبيرة للمياه، كما أن طريقة الري الأكثر شيوعاً هي الري بالقنوات، التي تنطوي على معدلات تبخر وخسائر تسرّب مرتفعة. وعلاوة على ذلك، يلوث استخدام المواد الكيميائية (الأسمدة والمبيدات) كلاً من التربة والمياه، مما يجعل من الصعب إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي في القطاعات الأخرى، وتشكل تهديداً على الصحة والبيئة. كما أن انخفاض رسوم المياه الزراعية تُسهم في إهمال استخدام المياه من قِبل المزارعين وخسائر كبيرة بالمياه. فالقطاع الزراعي مسؤولٌ عن 19,2% من العمالة الوطنية في إيران [10]، الأمر الذي يسلط الضوء على تعقيد تنفيذ أي خطة قصيرة الأجل لخفض توزيع المياه في هذا القطاع.
إن حالة بحيرة أورميا تضرب مثلاً على جميع هذه التحديات. فقد ساهم الإفراط في بناء السدود على الأنهار المغذية للبحيرة، وتحويل مياه البحيرة للزراعة، وانخفاض كفاءة الري والاعتماد الكبير للمزراعين الذين يعيشون على الزراعة إلى جانب فترات الجفاف الأخيرة، في حصول انكماشٍ حاد إلى أقل من نصف حجم البحيرة في سبعينيات القرن الماضي. أثر هذا الإنكماش غير الطبيعي، بشكلٍ كبير، على الاقتصاد الإقليمي وعلى نوعية الهواء، والزراعة، والأهم من ذلك، على نوعية حياة الناس.
2- تدهور منسوب المياه الجوفية وانخساف الأرض
يوجد في إيران حوالي 650 ألف بئر (قانونية أو غير قانوينة) و39 ألف قناة و146000 ينبوع. [11] تنخفض مستويات المياه الجوفية بمعدل 2-4 متر سنوياً، ذلك أن طبقات المياه الجوفية التي تُعاد تغذيتها ببطء لم تعد قادرةً على مواكبة العدد المتزايد من مستخدمي المياه ومعدلات السحب، إذ يتجاوز هذا المعدل الوطني للانخفاض طويل الأجل في منسوب المياه الجوفية البالغ 0,5 متر/ السنة إلى حد كبير. [12]
الصورة (2): صور بحيرة أورميا في مارس 2014 (أعلى)، وفي 13 أغسطس 2011 (وسط) وفي 25 أغسطس 1998 (أسفل)، (المصدر: NASA’s Earth Observatory, Flickr; urmiyephoto, Flickr).
تسبب هذا التدهور في منسوب المياه بانخسافٍ، لم يسبق له مثيل، في الأرض بمعدل 2-30 سم في السهول المختلفة في البلاد إلى جانب تشكل الآبار الطبيعية، حيث تساهم جميع هذه العوامل في حصول تصحرٍ هائل.
لاستعادة هذه الخسارة الهائلة في القدرة المتجددة للمياه الجوفية، ينبغي تنفيذ خطة شاملة لإدارة الطلب لخفض الاستهلاك بمعدل 11-12 مليار متر مكعب سنوياً. وعليه، قيّدت الحكومة استخراج المياه وبناء الآبار في 210 سهلًا التي تضم 300 طبقة من طبقات المياه الجوفية لتسريع إنعاش طبقات المياه الجوفية. [z، m] تبلغ المساحة الإجمالية لطبقات المياه الجوفية حوالي 15,485 كيلومتر مربع، والتي تعاني من معدلات استخراج تزيد عن 4700 مليون متر مكعب/ السنة. ومع ذلك، ما يزال القطاع الزراعي يستهلك المياه الجوفية بشكلٍ متزايد، مما يُثير الشكوك حول جدوى هذه القيود. [13] [14] يحدث أكثر الاستغلال المفرط في الأحواض المركزية حيث تتوفر كميات أقل من المياه السطحية. ونظراً لاستدامة نظام القنوات القديم لاستخراج المياه الجوفية، فإن الأهمية المحتملة للقنوات في المساعدة على حل التحديات الأمنية المائية في إيران، أمرٌ لا شك فيه. تنقل القنوات المياه الجوفية، مما يقلل التبخر، وتعتمد فحسب على الجاذبية الطبيعية، بدلاً من المصادر الخارجية للطاقة، لنقل المياه.
3- التلوث بالكيماويات الزراعية
يتم دعم المبيدات الحشرية والأسمدة من قِبل الحكومة، وبالتالي تُستخدم على نطاقٍ واسع في مجال الزراعة. تجرف مياه الري هذه المواد الكيميائية إلى المياه الجوفية والصرف السطحي الزراعي. وبالتالي، تتلوث مياه الصرف الزراعي، بشكلٍ كبير، بالكيماويات الزراعية التي تحتوي غالباً على المعادن الثقيلة. وعلاوة على ذلك، تم العثور على آثار من النترات في كثير من شبكات الصرف الصحي في المناطق الحضرية وكذلك في النفايات الصناعية السائلة. هذا التلوث يجعل من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي قضيةً مثيرةً للجدل، بسبب تهديداتها المحتملة على البيئة وصحة الإنسان.
4- قصور مشاركة المجتمع في معالجة مشاكل المياه
مع انهيار نظام إدارة المياه التقليدي المستدام في إيران، فقدت العديد من المجتمعات المحلية الشعور بالمسؤولية والمراعاة تجاه حفظ وإدارة الموارد المائية التي كانوا يملكونها يوماً ما. ويتضح هذا من خلال الاستخدام اللامبالي للمياه من قِبل المزارعين وانخفاض كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي. ومع ذلك، فإن الوضع في معظم المدن الكبيرة، بما في ذلك طهران وأصفهان ومشهد، مختلف. هنا، مستوى الوعي العام مرتفع وأبدى العامة استعدادهم للمشاركة في تحسين كفاءة استخدام المياه.
5- بيانات المياه التي لا يعول عليها
الخطوة الأولى في أي خطة ناجحة لإدارة المياه هي الحصول على بيانات موثوقة. وفي إيران، يتم جمع البيانات المتعلقة بالمياه الجوفية (الآبار والينابيع) كل خمس سنوات من خلال الزيارات الميدانية وتحليل سلسلة البيانات. كما تتم مراقبة مستويات المياه في الأنهار على أساسٍ يومي، وتقاس مرتين في الشهر. ومع ذلك، فإن معدات الرصد، بما في ذلك أجهزة القياس المثبتة والعدادات، ليست كافية. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب العقوبات المفروضة على إيران، لا تتوفر البيانات من مصادر أخرى، مثل صور الأقمار الصناعية، كوسيلة للمقارنة والتحقق من البيانات على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، فإن البيانات التي تقدمها المكاتب الحكومية المتعددة كثيراً ما تختلف بشكلٍ ملحوظ، مما يعوق استجابة موحدة لموارد المياه من قبل الجهات المختصة.
6- الحلول المتسرعة
في سعيها لتحقيق الأمن المائي، تدرس الحكومة حالياً إيجاد حلولٍ بديلة لارتفاع الطلب على المياه. واحدة من البدائل التي غالباً ما يُشار إليها من قِبل السُلطات الحكومية هي نقل المياه بين الأحواض، حيث يتم جلب المياه من أحواض الأنهار خارج البلاد، مثل طاجيكستان على سبيل المثال، أو نقل مياه البحر المحلاة من الخليج الفارسي وبحر قزوين. وعلى الرغم من أنّ هذه المخططات قد توفر علاجاً مؤقتاً، إلا أنها قد تسبب على المدى الطويل عواقب اجتماعية وبيئية. وفي الوقت نفسه، لا تعالج مثل هذه الحلول المتسرعة عدم الكفاءة في استخدام المياه. فمن خلال تحسين كفاءة استخدام المياه، وبخاصة في المجالات الزراعية، يمكن استخدام المياه الموفرة إلى حدٍ كبير بدلاً من نقل المياه التي تعرضها هذه الحلول.
الحد من استهلاك المياه
أولت الحكومة أهمية قصوى لإدارة الطلب، ويجري تنفيذ برامج وطنية لرفع مستوى الوعي العام حول تفاقم ندرة المياه، وإشراك الجمهور في اتخاذ تدابير لتوفير المياه. وتشتمل هذه البرامج على بناء القدرات من خلال وسائل الإعلام (التلفزيون والإذاعة الحكومية)، ومبادرات التدريب في المدارس، وتركيب لوحات تثقيفية للعامة في المدن وخطوط المترو بالتعاون مع البلديات، وتطوير تطبيقات الهاتف المحمول، والمقابلات المتكررة مع مسؤولي المياه، وتثقيف الصحفيين حول مفهوم صحافة المياه الجديد.
كما يتم توفير حوافز اقتصادية، مثل القروض منخفضة الفائدة، للمزارعين لتركيب أنظمة الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط أو الري بالرش، التي تعتبر أفضل كفاءة في استخدام المياه. وتستخدم أيضاً ممارسات زراعية جديدة التي تستهلك كمياتٍ أقل من المياه، مثل الزراعة المائية، لإنتاج البيوت الزجاجية واسعة النطاق في بعض المدن، بما في ذلك طهران، وهشتغرد، وكرج، وجزيرة كيش. وفي السنوات الأخيرة، وبمساعدة وكالات الأمم المتحدة المختلفة، أدخلت الممارسات الزراعية المستدامة في مختلف أحواض الأنهار، بما في ذلك حوض بحيرة أورميا، والتي أدت إلى تحسين استخدام المياه. ويجري تنفيذ المبادرات الصغيرة في بعض المناطق، بهدف مطابقة الأنماط الزراعية مع المياه المتاحة. ومع ذلك، واحدة من أكبر التحديات التي لا تزال دون حل هي عدم وجود مراقبة سليمة للمياه الجوفية، وخاصة أنّ العدادات غير كافية لمراقبة عمليات الاستخراج من الآبار غير القانونية للاستخدام الزراعي.
يتطلب الحد من الطلب على المياه في المناطق الحضرية، بذل المزيد من الجهود الموحدة لإصلاح تسرب وخسارة المياه على طول خطوط النقل، وتوحيد صنابير المياه، وفصل استخدامات مياه الشرب عن المياه غير المخصصة للشرب، وجمع مياه الصرف السطحي باستخدام تقنيات حصاد المياه في المناطق الحضرية. وخلال سنوات الجفاف في الفترة ما بين عامي 2001 و2004، اعتمدت الحكومة نموذج التسعير الجديد الذي يدمج الحد الأعلى للاستهلاك. أدى أي استهلاك يفوق هذا السقف المحدد إلى تصاعد الرسوم حسب حجم الاستهلاك الإضافي. ولا يزال هذا النموذج قائماً. وخلال فترة الجفاف نفسها، تم ترشيد استهلاك مياه الشرب، وأدخلت إمدادات مقيدة في جميع المدن الرئيسية، بما في ذلك العاصمة طهران.
[1] Deputy Minister of Energy, 14 April 2016. Press release. Available at alef.ir/vdcc1pq1o2bq0s8.ala2.html?345139.
[2] FAO, 2017. AQUASTAT Database. AQUASTAT Website. Available at http://www.fao.org/aquastat/statistics/query/index.html
[3] Moridi, A., 2017. State of water resources in Iran. International Journal of Hydrology. Available at https://water.fanack.com/ar/
[4] Ibid.
[5] Iran Times. Available at www.iran-times.com/islamic-republic-is-again-self-sufficient-in-wheat/.
[6] Moridi, A., 2017. State of water resources in Iran. International Journal of Hydrology. Available at https://water.fanack.com/ar/
[7] BK, 2015. ‘One well per every 104 Iranians’, Deutsche Welle, Farsi service.
[8] FAO, 2017. AQUASTAT Database. AQUASTAT Website. Available at http://www.fao.org/aquastat/statistics/query/index.html
[9] Moridi, A., 2017. State of water resources in Iran. International Journal of Hydrology. Available at https://water.fanack.com/ar/
[10] Statistical Centre of Iran, 2015.
[11] Moridi, A., 2017. State of water resources in Iran. International Journal of Hydrology. Available at https://water.fanack.com/ar/
[12] Zekri, S. ed., 2020. Water Policies in MENA Countries (Vol. 23). Springer Nature. Available at https://doi.org/10.1007/978-3-030-29274-4
[13] Moridi, A., 2017. State of water resources in Iran. International Journal of Hydrology. Available at https://water.fanack.com/ar/
[14] Zekri, S. ed., 2020. Water Policies in MENA Countries (Vol. 23). Springer Nature. Available at https://doi.org/10.1007/978-3-030-29274-4